وكيف لا وعدو الله منكسر ... بالله والملك المنصور منصور

وفي نزهة الناظر: كانت عادة السلطان في لعب الآكرة العجلة والانهماك على اللعب، وعرف في الشام ومصر بجودة لعب الآكرة، وكان كثيرا ما يدع الآكرة في الهواء ويسوق تحتها، ويقوم في السرج ويأخذها من الهواء بيده ويصل بها إلى آخر الميدان، فاتفق له ذلك اليوم أنه ضرب الآكرة وساق تحتها وقام في السرج فخرج منه وسبقه رأسه إلى الأرض فالتقى الأرض بيمينه فانكسرت، وتتعتعت أضلاعه، وبقى ساعة في الأرض إلى أن نهض بنفسه وقام، فوجد جميع الأمراء قد ترجلت، وكانت العادة أن الملك إذا اتفق له وقوع من فرسه إلى الأرض لا يجسر أحد أن يتقدم إليه إلا بإذن منه لمن يختاره أو لمن له عليه إدلال مثل مملوكه الخاص أو غلامه، ويترجل سائر الأمراء، فإذا ركب ركبوا، وركب السلطان وأشار للأمراء أن يتموا لعبهم، وطلب المجبرين فعملوا في يده ما هو الواجب.

وكانت العامة يحبونه لأنه كان يحبب نفسه إليهم، فلما رأوه وهو راكب تباشروا ودعوا له، وصاح بعض الحرافيش وقال: سلامتك يا قضيب الذهب ما تستهل، أرنا يدك، وكان قد علقها بمنديل، فلما سمعه أخرج يده وأخذ المقرعة وضرب بها على معرفة الفرس، فتصايحوا ودعوا له، ثم لما طلع طلب المجبرين فلما حلوا يده وجدوا الرباط قد تغير والعضو قد انزعج، فسألوه عن ذلك، فأخبرهم بما فعله عند صياح ذلك الحرفوش، فقالوا له: يا خوند كيف تخليه يفشو؟ قال: لا كان ينكسر خاطر الناس.

ثم إنه أقام مدة شهرين إلى أن ركب، فلما ركب زينت مصر والقاهرة، وكتب إلى البلاد الشامية بعافيته، وزينت سائر الأقاليم.

وأما ما أنفق يوم ركوبه إلى الميدان فكان شيئا غريبا، وكان يوما مشهودا، وكانت جميع دكاكين الصليبة إلى آخر الكبش مملوءة بالرجال والنساء، وكان الرجل منهم يجلس بنصف درهم، وأما البيوت فإنها أكريت في ذلك اليوم بأجرة سنة، ولما عاد وطلع القلعة خلع على سائر أرباب الوظائف وسائر الأمراء والمقدمين، وأمر بالصدقات على الفقراء والمشايخ، وأفرج عن المسجونين.

وفيها: وفد سلامش بن أفاك بن بيجو التتري وأخوه قطقطو ومن معهما إلى الأبواب السلطانية، وسبب ذلك أن سلامش كان مقيما بلد الروم ومقدما على التمان المجرد فيها، فبلغه أن قازان عزم على أن يقتله، فأراد الانحياز إلى دار الإسلام طلبا للنجاة، وكاتب الملك المنصور حسام الدين لاجين مستأذنا ومعلما بوصوله مستأمنا، وأرسل من جهته شخصا يسمى مخلص الدين الرومي، فأجاب السلطان إلى ذلك، وقال: إنا لا نكره من يهاجر إلينا محبة في الله والرسول عليه السلام.

وبلغ قازان مراسلته، فجرد عسكرا لحربه وأخذه، فالتقوا معه في بلد الروم، فلما التحم القتال بينهم خامر عليه بعض من كان مضافا إليه، فلم ينجه إلا الفرار وقصد هذه الديار.

ولما وصل إلى البلاد الحلبية جهز معه من يحضره إلى الأبواب السلطانية، وعند وصوله عومل بالإكرام وقوبل بالإنعام، وخير في المقام بمصر إن شاء أو الشام، فذكر أنه ترك عياله وخلف أهله وأطفاله وسأل تجريد عسكر ليحضر أهله، فرسم بأن يجهز معه من عسكر حلب من يساعده على ما طلب، وعاد من الباب العزيز، فجرد النائب بحلب معه عسكرا إلى الروم وقدم عليه الأمير سيف الدين بكتمر الحلبي أحد الأمراء بحلب، فساروا إلى بلاد سيس، فلما وصلوا إليها شعر بهم صاحب سيس والتتار الذين ببلادها، فأخذوا عليهم مضايق الدروب وعاجلوهم بالحروب عن الهروب، فقتل الحلبي ومن معه وفر سلامش منهزما وجاء إلى قلعة ببلد الروم واعتصم بها، فأرسل قازان في طلبه، فأحضر إليه فقتله شر قتلة.

وكان قد ترك أخاه بالديار المصرية على أنه رهينة عنه واسمه قطقطو وصحبته مخلص الدين الرومي، فاستقرا بها وأعطيا إقطاعا وراتبا.

وفي نزهة الناظر: كان سلامش هذا كبير القدر معظما ببلاد الروم، وله بيت كبير في المغول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015