وقال بيبرس في تاريخه: استقل منكوتمر بالنيابة وأظهر العظمة والمهابة، وكان كالمعيدى في دمامة شكله وقباحة فعله، وسلم إليه أستاذه القياد، ووكل إليه تدبير البلاد والعباد، فبسط يده ولسانه وقلمه، واحتجز الأموال والتحف والهدايا واللطف، وأسرف غاية السرف، وأظهر من التكبر والتجبر والصلف، واستصغار الأكابر واحتقار الأصاغر ما نفر عنه الخواطر وبغضه إلى البوادي والحواضر، ولم يتقيد بما يجب من الآداب، ولا سلك سبيل الصواب، ولا علم مصرع الكبرياء، وسوء مغبة الخيلاء.

ولله در القائل محذرا للإنسان من الزهو، ومنبها له من الوقوع في هذا السهو، حيث يقول:

يا نفس ذا الكبرياء من أين ... ألست من مخرج السبيلين

أبوك بالأمس كان من حمأ ... وجيفة أنت بعد يومين

أقل ما ابتليت لاغيه ... بغائط في النهار وقتين

إن تعسر فأنت هالكةٌ ... أو تيسر فرهن قولين

ومن الحوادث في هذه السنة، ما ذكره صاحب نزهة الناظر، وهو عبور العسكر الحلبي إلى ماردين على سبيل الغارة والسبب الموجب لذلك أن السلطان كان بينه وبين صاحب ماردين واقعة من أيام نيابته الشام أوجبت ذلك، وأيضا وقع بين صاحب حلب وصاحب ماردين كلام بسبب مملوك ابتاعه صاحب ماردين من التجار وضع نائب حلب صفته، فسير إليه يطلبه منه، فأبى، ثم إن السلطان أرسل إلى نائب حلب وأمره أن يختار من أمراء حلب وعسكرها جماعة معروفة ليغيروا على ماردين، فجرد الحلبي والخطيب وابن العيثاني وجماعة من عسكر حلب معروفين، وجرد من خيار مماليكه ستين مملوكا ونحو خمسمائة فارس، فركبوا وساروا إلى أن بقيت بينهم وبين ماردين ليلة واحدة، وكانوا كلما دخلوا ضيعة من ضياع ماردين لا يأخذون منها شيئا ولا يتعرضون إلى رعيتها، وإذا سألوهم يقولون إنا قاصدون مكانا بالقرب منكم، وبلغ صاحب ماردين مجيئهم وأنهم ما شوشوا على أحد من بلاده، فسير إليهم الإقامات فاطمأن من جهتهم إلى أن كانوا بالقرب منه وركبوا في الليل وما طلعت الشمس إلا وقد أوقعوا الغارة في الرمض، ووقع الصوت في أهلها فاندهشت الناس، ووقع النهب واقتحموا سائر الحانات والبيوت.

وكان الملك المنصور قد عمر مكانا للتنزه سماه الطور؛ وقد ذكره صفي الدين الحلى في شعره.

من نفحة الطور لا من نفخة الصور ... ... وهي قصيدة طويلة.

وسمع صاحب ماردين الصياح فطلع إلى أعلى القلعة فنظر ... .. ... العسكر قد أحاط بكل مكان، ونهبوا الحريم، واخربوا المستنزه، وكان قد غرم عليه أموالا عظيمة وعمر إلى جانبه مكانا آخر وسماه الفردوس.

قال صاحب التاريخ، في خبر هذه الغارة، أنه رأى صاحب ماردين واقفا على قدميه، وعليه قباء أحمر مزركش، وهو يضرب يدا على يد، ويصيح على العسكر، ويشير بيده إليهم، ويقول لهم: لا تخربوا بستاني، واستمرت الغارة إلى آخر ذلك اليوم، وكان الثاني من شهر رمضان.

وهذه الغارة هي التي أوجبت حضور قازان، لأنه استفتى من العلماء في أمر قتال أهل الإسلام الذين هتكوا الحريم، وسبوا الأولاد، وسفكوا الدماء واستباحوا الأموال، ولما عادوا فعلوا في الضياع أعظم مما فعلوه في الربض.

ومنها ما ذكره ابن كثير: وهو أن السلطان أرسل إلى الملك الأشكرى بالقسطنطينية بإرسال أولاد الملك الظاهر إلى ديار مصر، فجهزهم الأشكرى في مركب من مراكب الفرنج إلى ثغر الإسكندرية، وخرجوا من ظلمة البلاد الرومية إلى نور البلاد الإسلامية، وهم نجم الدين خضر وأخواته وأمه وأم سلامش، وأما سلامش فإنه توفى بتلك البلاد كما ذكرنا، فأحضرته والدته مصبرا، ودفنته بتربتها في مصر، وسأل نجم الدين خضر أن يتوجه إلى الحجاز، فأجاب سؤاله، وجهزه بما يحتاج إليه من مال وزاد وهجن وجمال، ولما عاد سكن القاهرة.

ومنها ما ذكره بعض المؤرخين، وهو أنه ظهر بالديار المصرية فأر، وأتت على الغلات والزروع، وكان ظهوره على وجه الحصاد، فكان يسابق الحصادين إلى الزرع، ولم يحصل من الزرع في تلك السنة إلا اليسير.

ومنها أنه وصلت خلع إلى أمراء دمشق والمقدمين وأعيان الدولة والمتولين، فلبسوها، وعدتها ستمائة خلعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015