ومنها: أنه قبض على الأمير قراسنقر النائب والسبب لذلك أمور منها: أنه أراد أن يقيم مملوكه منكوتمر عوضه في النيابة، ومنها: أنه خشى من اتفاق الأمراء البرجية الذين أخرجهم من الحبس مع قراسنقر النائب؛ ومنها: أن قراسنقر أسرف في الطمع والحمايات وتحصيل الأموال على أي وجه كان، واتفق في نيابته شكوى كثيرة في دار العدل بقصص رفعت في حق مماليكه، وكان أكثر الشكاوى في حق كاتبه شرف يعقوب فإنه كان تحكم في بيته تحكم الملاك، وكان صاحب مال كثير ومماليك كثيرة وحفدة وأتباع، وكان متولعا باللهو والطرب واجتماع الندماء عنده، وكان يتكرم عليهم مكارم كثيرة وإنعام جسيم، وكان تعلق قلبه بامرأة بعض أرباب البيوت، فاتفق أنه سكر ليلة فدعاه سكره إلى أن أرسل وراءها، فعز عليها الحضور في تلك الليلة، فسير من أحضرها كرهاً وزوجها معها، فلما حضر زوجها أخرق به فضربه وأهانه، ثم إن الرجل قدم قصة للسلطان وذكر فيها ما جرى عليه وعلى امرأته، فقوى ما في قلب السلطان من جهته، فطلب أستاذه قراسنقر وأغلظ عليه في القول وقال له: لا بد من تأديب كاتبك وخروجه من عندك، ولما خرج قراسنقر من عند السلطان طلب كاتبه وأعطاه القصة، فقرأها، وأنكرها، ولم يكترث بذلك لا هو ولا قراسنقر، وصار السلطان بعد ذلك يذكر ذلك للأمراء، ويعد مساوئ هذا الكاتب، ويتكلم من ظلم قراسنقر، وظلم حاشيته إلى أن اتفق رأيه بحضور الأمير بدر الدين بيسرى وعز الدين الحموي وسنقرجاه الظاهري والحاج بهادر الحاجب على قبضه، ثم قال له البيسرى: يا خوند إذا مسكت هذا ما تريد نائبا غيره فقال: استنيب مملوكي منكوتمر، فسكت الجميع عند ذلك؛ بل وجموا عند ذكره، ثم قال السلطان ما سكوتكم عند ذكرى منكوتمر فقال البيسرى: يا خوند مملوكك منكوتمر شاب قوي النفس، حاد الخلق. وهذا المنصب يريد رجلا ثقيل الرأس، طويل الروح، يحسن الحكم والسياسة. وقال الحاج بهادر: يا خوند الأمراء كلهم ما يخشون إلا من تولية منكوتمر، وأنت قد كنت شرطت على نفسك مع الأمراء حين توليت السلطنة أن لا تولى منكوتمر أمرا، ولا مملوكك جاغان، ووقعت اليمين على ذلك، وأخذ يذكر ما وقع من ذلك عند سلطنته في العوجاء، ولما سمع السلطان ذلك منهم قال: حتى ننظر غير هذا.

وخرجت الأمراء من عنده وقد تمكن في قلبة الغيظ من ذلك، ثم أحضر منكوتمر وخشداشيته من المماليك وأخبرهم بالذي وقع مع الأمراء، ثم قال: هذا منهم يدل على أني محكوم على في سلطنتي، وما خرجوا من عنده حتى اتفقوا معه على أن يفرق الأمراء إلى كشف الأقاليم ولا يؤخر عنده إلا من يريد مسكه والقبض عليه.

فلما أصبح أمر بكتابة أوراق بذلك، فعين الأمير سيف الدين طغريل الأيغاني لكسف الشرقية، والأمير سنقر المساح لكشف الغربية، والأمير بدر الدين بيسرى لكشف الجيزية، وأمره أن يكون قريبا من المدينة ويعدى للخدمة أيام الاثنين والخميس، ويتصيد هناك ويتنزه، وبعد أيام قليلة خرجت الأمراء كل واحد إلى جهته.

ثم بعد ذلك طلب كرجى وكان قد قدمه على المماليك السلطانية وعرفه المقصود، وأمره أن يتفق مع الأمير سيف الدين طقجى وناصر الدين منكلى التتري على مسك أمراء عينهم عند عبورهم للخدمة.

ولما دخلت الأمراء إلى السلطان نهض هؤلاء فمسكوا قراسنقر النائب، والحاج بهادر، وعز الدين الحموي، ومسكوا أيضا ممن كانوا خارج الخدمة سنقرجاه الظاهري، والأمير أقوش، وعبد الله، وكورى، والشيخ علي، وقيدوا الجميع وحطوهم في الزرد خاناه، وأمر السلطان أن يخلى قاعة قريبة منه ويحط فيها قراسنقر، ويحمل إليه كل ما يحتاج إليه، ثم أمر بمسك كاتبه وعقوبته واستخراج أمواله وأموال أستاذه، وكتب أيضا إلى نائب الشام بإيقاع الحوطة على سائر موجوده وموجود الأمراء الذين مسكهم معه.

ثم في اليوم الثاني يوم الأربعاء منتصف ذي القعدة منها طلب منكوتمر وخلع عليه بخلعة النيابة وخرجت سائر الأمراء في خدمته، ووقف الأمير سيف الدين كرت أمير آخور حاجبا مكان الحاج بهادر، ثم رسم منكوتمر بإعادة الصاحب فخر الدين الخليلي إلى الوزارة، وعزل ناصر الدين الشيخي من شد الدواوين وخلع على شمس الدين شيخوه الحلبي وتولى عوضه شاد الدواوين، وسلمت إليه حاشية قراسنقر وكان يستخرج منه الأموال، وأوصى منكوتمر الوزير على أن يعاقب كاتب قراسنقر عقوبة الموت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015