وفي نزهة الناظر: وكان السبب لذلك ما ذكرناه عندما اتفق للسلطان وقراسنقر من قتل الملك الأشرف، وأن السلطان لما هرب جاء ودخل جامع ابن طولون وأقام فيه ثلاثة أيام هي إقامته فيه نذر لله تعالى إن خلصه من هذه الورطة أن يعمر هذا المكان ويجدده، وأن يعمل فيه من الخير جهده، واتفق ما اتفق من تقلبات الدهر إلى أن تسلطن وصار له الحكم في سائر الأمور تذكر ذلك النذر، وكان قد طلب الأمير علم الدين الدواداري من دمشق وخلع عليه وولاه نيابة دار العدل لما كان يعلم من خيره وعلمه ودينه، وكانت له معه صحبة قديمة، وفوض إليه أمر العمارة وشراء الأوقاف، وأوصى إليه أن لا يسخر فيه صانعا ولا فاعلا، وأن لا يشتري شيئا إلا بقيمته، وأول ما اشترى من الأماكن لوقفه منية الدونة من الأعمال الجيزية، واشترى له أرض ساحة إلى جانبه وحكرها، ورتب فيه الدروس في المذاهب الأربعة، ورتب المقرئين وقراء المصحف والبوابين والوقادين، ودرس الأطباء، ومكتب الأيتام، وغير ذلك من جميع المعروف.
وجدد أيضا المسجد الأخضر بين القرافتين، ومسجدا آخر بجوار الليث بن سعد رضي الله عنه، وجدد مواضع كانت قد هدمت من مساجد الفتح.
ومنها: أنه ورد إليه كتاب الشريف أبي نمى صحبة قواده يهنئ بولاية السلطان ويعرض بذكر كتبغا بشيء من شعره:
لقد نصر الإسلام بالملك الذي ... تزعزع من شم الملوك الشناخب
حسام الهدى والدين منصوره ... الذي رقى بسماء المجد أعلى المراتب
مضى كتبغا خوف الحمام وقد ... أنت إليه أسود الجند من كل جانب
ومنها: أن السلطان المنصور قبض على الوزير شمس الدين الأعسر، وكانت توليته الوزارة في جمادى الأولى، وقبض عليه في أواخر ذي الحجة من هذه السنة، وكان السبب لذلك كبره وتجبره وتعاظمه على الأمراء ومماليك السلطان، وبلغ كبره إلى أنه لا يرد الجواب للسلطان إلا بعد زمان وتأنى، ومع هذا كان يجيبه بما لا شفاء له، وكان قصده أن يسلك في الوزارة مسلك الشجاعي مع أرباب الأقلام والمتعممين، ولذلك ما كان يقبل شفاعة أحد من الأمراء، وكان بخرق بقصادهم ونوابهم ويتعاظم عليهم، فلذلك رماه الله على أم رأسه.