وكان قد ورد صاحب حماة إلى ملتقى السلطان، فاجتمعت به الأمراء واتفقوا معه على الكلام مع السلطان في أمر نائب الشام، فحضروا إليه وقالوا يا خوند: إن الأمير عز الدين رجل من أكابر الدولة، وله خدمة متقدمة، ولم يظهر منه قط حياته، فعلم السلطان أنهم متفقون على خلاصه، فأجابهم إلى ذلك، فطلب الحموي وخلع عليه خلعة الرضى، ثم خلع على مملوكه غرلو بنيابة الشام، وكانت خلعة العزل والرضى وخلعة التولية في وقت واحد، ثم إن السلطان جرد من عسكر الشام جماعة صحبة عسكر مصر وأمرهم أن يتقدموا إلى حلب، وأقام بعد ذلك بدمشق، وصلى بجامع بني أمية.

وقال ابن كثير: لما كان يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة صلى الملك العادل بمقصورة الخطابة، وعن يمينه صاحب حماة الملك المظفر، وتحته بدر الدين أمير سلاح، وعن يساره أولاد الحريري، ثم بدر الدين البيسرى، وتحته قراسنقر، وإلى جانبه الحاج بهادر، وخلفهم الأمراء الكبار، وخلع على الخطيب خلعة سنية، وهو قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ولما قضى الصلاة سلم على السلطان، وزار السلطان المصحف العثماني، ثم اصبح يوم السبت فلعب بالميدان بالآكرة على العادة.

وفي يوم الإثنين ثاني ذي الحجة عزل الأمير عز الدين الحموي عن النيابة، وعاتبه عتابا كثيرا على أشياء صدرت منه، ثم عفى عنه وأمره بالمسير معه إلى مصر، واستناب بالشام سيف الدين أغرلو، ثم حضر السلطان دار العدل وحضر عنده الوزير والأمراء والقضاة، وكان عادلا كما سمى.

وفيه تولى شهاب الدين الحنفي الوزارة، عوضا عن التقي التكريتي، وولى تقي الدين بن شهاب الحسبة، عوضا عن أبيه، وخلع عليهما، ثم سافر السلطان في الثاني عشر من ذي الحجة واجتاز على جوسية، ثم أقام بالبرية أياما، ثم عاد فنزل حمص وجاء إليه نواب البلاد، ثم عاد نحو ديار مصر.

وفي نزهة الناظر: وبعد أن صلى السلطان بجامع بني أمية خرج قاصدا نحو حمص، وضرب الدهليز على بحيرة حمص، وصار في كل يوم يتوجه إلى الصيد وصحبته صاحب حماة، واتفق أن السلطان رمى غزالا في الحلقة وأحضره معه إلى الدهليز، وكان قد حضر عنده الشيخ حسن القلندرى - شيخ القلندرية بدمشق - وكان ممن يصحب السلطان وينتمي إليه وإلى جماعة من الأمراء، فقال له يا شيخ حسن: هذا صيد يدي خذه لك، فقبل الأرض وقال: يا خوند: يأخذ الفقراء هذا الغزال ويودونه إلى موضع يختارونه، ويعملون هناك وقتا ويدعون للسلطان، فقال: وأين توديه؟ فقال: إلى صاحب حماة، فتبسم وقال له: خذ، فأخذه وأتى به إلى صاحب حماة فأنعم عليه بتشريف طرد وحش وكلوتاه زركش، فأراد أن يمتنع من لبس الكلوتاه وقال: أنا رجل فقير قلندرى لا يمكنني أن ألبس غير لبسي. فقال له: إن التشريف تشريف السلطان، ولا يمكن أن يكون غير ذلك، فلبسه، وحضر عند السلطان وعرفه أنه أكرهه على لبس الكلوتاه، فاجتمعت حوله الأمراء وانبسطوا معه كما هي عادتهم معه من الانبساط والضحك، وهم في ذلك وإذا صاحب حماة قد حضر، فتقدم الشيخ حسن وقال له يا خوند: إيش عملت معي؟ وقد أنكرت على الأمراء والفقراء يطالبونني على ذلك، فأنعم عليه بألف دينار، ولما حضر إلى دمشق عمل وقتا عظيما في زاوية الشيخ الحريري، وحضرت عنده مشايخ دمشق وفقراؤها.

ثم عن السلطان أقام هناك أياما برسم الصيد والتنزه، ثم رجع إلى ناحية دمشق وأقام بها أياما، وفي تلك المدة زاد في إكرام طرغاى وألوص والأويراتية، وقربهم إليه جدا، ووعد لهم بمواعيد حسنة، فصار يلهج بذكرهم مع أكابر الأمراء ويبث شكرهم، وكان كثيرا ما يذكرهم لنائبه الأمير حسام الدين لاجين، وكان لاجين يستحسن جميع ما يصدر منه من القول والفعل، ثم يعرف الأمراء ما في نفس السلطان من الفعل إلى أن تحملوا كلهم عليه، فاتفقوا على خلعه.

ذكر اتفاق الأمراء على خلع السلطان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015