ولم يزل الملك المجاهد يرضى الشريف والأمير طقجى معه إلى أن اصطلحا وطابت خواطرهما.

ذكر من توفي فيها من الأعيان

الشيخ الصالح القدوة الزاهد العابد العارف أبو الرجال بن مرى بن بحتر المنينى.

مات بقرية منين في عاشر المحرم منهما، ودفن في زاويته بالقرية المذكورة، وخرج الناس من دمشق فمنهم من أدرك الدفن ومنهم من صلى على قبره، وكانت له أحوال ومكاشفات، من المشايخ الأجلاء المعروفين بالخير والصلاح والورع، وكان أهل البلد يزورونه، وربما قدم هو بنفسه إلى دمشق فيكرم ويضيف، ومات وقد جاوز الثمانين، وكان شيخه الشيخ جندل من كبار الصالحين أيضا، ومن الأبدال، وكان من القرية المذكورة.

الشيخ الصالح العابد الزاهد الورع بقية السلف جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن قاضي القضاة وخطيب الخطباء عماد الدين بن عبد الكريم بن قاضي القضاة جمال الدين عبد الصمد بن الحرستاني.

سمع الحديث وناب عن أبيه في الإمامية وتدريس الغزالية، ثم ترك المناصب وأقبل على العبادة، وتوفى في آخر ربيع الآخر، ودفن بالسفح عند أهله وقد جاوز الثمانين.

الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ مفتي بلاد الحجاز في زمانه محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي.

وكان شيخ الشافعية، وفقيه الحرم، ومحدث الحجاز، وسمع الكثير وصنف في فنون كثيرة، من ذلك: كتاب الأحكام في ست مجلدات وهو كتاب مفيد، وكتاب على ترتيب جامع المسانيد أسمعه لصاحب اليمن. وكان مولده يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة عشر وستمائة، ومات في هذه السنة، ودفن بمكة. وله شعر جيد، فمنه قصيدته في المنازل بين مكة والمدينة تزيد على ثلاثمائة بيت، كتبها عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه.

الشيخ الإمام العلامة الخطيب المدرس المفتي القاضي شرف الدين أحمد ابن الشيخ جمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر بن حسين بن حماد المقدسي الشافعي.

ولد سنة ثنتين وعشرين وستمائة، وتوفى يوم الأحد السابع عشر من رمضان منها، ودفن بمقابر باب كيسان عند والده وأخيه، سمع الكثير، وكتب حسنا، وصنف فأجاد وأفاد، وكان مدرس الغزالية ودار الحديث النورية مع الخطابة، ودرس في وقت بالشامية البرانية، وأذن لجماعة من الفضلاء في الإفتاء منهم الشيخ الإمام أبو العباس ابن تيمية، وكان يفتخر بذلك ويقول: أنا أذنت لابن تيمية في الإفتاء، وكان يتقن فنونا من العلم، وصنف كتبا في أصول الفقه جمع فيه شيئا كثيرا ولم يخلف بعده مثله لأنه فيه ما لم يجمع لأحد من العلماء من علم الفقه والأصلين والحديث والنحو واللغة وحسن الخط والدين والعفة والتواضع والفصاحة وحسن الهيئة والمسارعة إلى قضاء حوائج الناس.

وله شعر جيد فيه ما قاله في زهر اللوز:

أحج إلى الزهر وأسعى به ... وأرم جمار الهم مستنفرا

من لم يطف بالزهر في وقته ... من قبل أن يحلق قد قصرا

وله لغز في الناعورة:

وما أنثى وليست ذات فرج ... وتحمل دائماً من غير فحل

وتلقى كل آونةٍ جنيناً ... فيجرى في الفلاة بغير رجل

وتبكى حيت تلقيه عليه ... بصوت حزينة فجعت بطفل

وقال يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تحية مشتاقٍ بعيد مزاره ... إلى من بأكناف العقيق دياره

وشكوى بعادٍ أنفد الدمع بعضه ... وأفنى مدى الصبر الجميل انتظاره

وصبٍ عرنه للصبابة حسرة ... تنم بها أنفاسه واصفراره

ووجد بأكناف الحمى سقى الحمى ... ولا زال يندى شيحه ومراره

ودمع بأسرار المحبة ناطقٍ ... إذا لمعت دون المحصب ناره

وجسمٍ غدا إثر الضغائن قلبه ... وإن كان في أرض البعاد قراره

ركائب تحدو باسم خير مؤمل ... بنى علا في العالمين مناره

فوا أسفا لو كان يجدى تاسفٌ ... وواحسرتا إذ شط عني مزاره

إذا قدم الزوار تربة يثربٍ ... وفاضت من الدمع المصون غزاره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015