وفي جمادى الأولى منها: استقر بيدو في المملكة بعد هلاك كيخاتو، وكان قازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون بخراسان وصحبته نوروز أتابكه، فحسن له قصد بيدو ومحاربته، وانتزاع الملك منه، فجمعا وحشدا وحضرا من خراسان لحرب بيدو، وسار بيدو في عساكره إليهما، فلما تراءى الجمعان تبين لقازان أن جمعه لا يفي بلقائه، فراسله بالإذعان وعامله بالملاطفة وحلاوة اللسان، فاتفقا على الصلح، فاصطلحا، وعاد قازان راجعا إلى خراسان، وأقام نوروز عند بيدو، فإنه منعه من الرجوع صحبة قازان لكيلا يتفقا عليه وينفذا إليه، فاغتنم نوروز الفرصة مدة إقامته عند بيدو واستمال جماعة من الأمراء لقازان، واستوثق منهم أنه متى دنا انحازوا إليه وتركوا بيدو وخامروا عليه، فبلغ الخبر بذلك لقازان، فتجهز للمسير من خراسان، وبلغ بيدو خبره فأوجس خيفة منه، وذكر ذلك لنوروز. فقال له: أنا أكفيك أمره وأدفع عنك شره، ومتى وجهتني إليه ثنيت عليك عزيمته، وفرقت جماعته، وأرسلته إليك مربوطا، فاستحلفه أنه لا يخون في عهده إذا فصل من عنده، ثم سرحه فسار إلى خراسان، وأخبر قازان كل ما كان، وخرجا معا لقصد بيدو، وسارا طالبين الأردو، وأرسل نوروز إليه قدرا مربوطا في عدل، وقال: قد وفيت بما قلت لك، وأرسلت قزان إليك مربوطا بالوثاق، ولم أغير ما وقع به الميثاق، فغضب بيدو لرسالته، وتبين له مكره به من مقالته، وسار للقائه، فالتقى الجمعان بنواحي همدان، فخامر أمراء بيدو عليه وانحازوا إلى قاوان، فاستظهر بهم وقوى بسببهم، ولم يكن لبيدو بهم إلا الفرار وسلوك الأوعار، فلحقوه بنواحي همدان فقتلوه، وكانت مملكته ثمانية شهور، ومقتله في ذي الحجة من هذه السنة.
وفي ذي الحجة: ملك قازان بن أرغون بن هلاون، واستقر في السلطنة، وترك أخاه خربندا مقيما بخراسان، واستقر نوروز أتابك العساكر ومدبر المملكة إلى أن كان منه ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وقال ابن كثير: ولما تملك قازان على التتار في هذه السنة أسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير نوزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رءوس الناس يوم إسلامه وتسمى بمحمود، وشهد الجمعة والخطبة، وخرب كنائس كثيرة، وضرب عليهم الجزية، ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد وظهرت السبح والهيا كل مع التتار.
وفي بعض التواريخ: أن إسلام قازان كان في يد الشيخ صدر الدين ابن حمويه الجوينى.
وفيه أيضا: أن بيدو لما انكسر لحق بالكرج وكان قد تنصر.
وفيها: أنعم على الملك الأوحد بن الملك الزاهر بن أسد الدين صاحب حمص بإمرة بدمشق، وهو أول أمير تأمر بطبلخاناة من بني أيوب في دولة الترك، وكان نائب الشام كتب فيه إلى السلطان وعرف في كتابه كبر أهل البيت الذي هو منه وتقدمه في السن وجودته وديانته.
وفيها: بلغ النيل إلى ستة عشر ذراعا وسبع عشرة إصبعا.
وفيها حج بالناس الملك المجاهد أنص بن الملك العادل كتبغا وأهل بيته، وتصدقوا بصدقات كثيرة في الحرمين.
وفي نزهة الناظر: لما حج أنص هذا أرسل إلى الشريف أبي نمى صاحب مكة شرفها الله عشرين ألف درهم إنعاما عليه، وأنعم على أولاده بعشرة آلاف درهم، وأنه طول الطريق معه روايا وأصعان مملوءة سكرا وسويقا وأقسما ومشروبا كثيرا، وأبيعت العلبة من الحلواء في الطريق بدرهمين، والرطل السكر بدرهم ونصف، وكان معه من سائر الأصناف، وخلع على جميع من صحبه من الأمراء والمماليك والجند وسائر من صحبه.
وقال صاحب التاريخ: حكى لي خازن الداره أن جملة أنعامه على الأمير سيف الدين طقجى مائة وستون ألف درهم، وكان من جملتها بذلة كلها زركش وقباء تترى فيه ألف دينار، وكانت تفرقته على الغلمان والصعاليك ثمانين ألف درهم، وأخبر أنه أصلح بين الخليفة أبي العباس أحمد وبين الشريف أبي نمى صاحب مكة، لأنه وقع بينهما كلام ومشاجرة والركب واقف بجميع الأمراء، وبلغ من أمرهما إلى أن قال أبو نمى للخليفة: من أنت؟ ومن يقال لك؟ ومن أبوك؟ أما تستحي إذا ذكرت نسبك مع نسبي، ثم شرع يقول: أنا فلان بن فلان إلى أن أذهل الواقفين، ولم يقدر الخليفة بعده على الجواب: بل تمثل يقول:
نسبٌ كان عليه من شمس الضحى ... نور ومن فلق الصباح عمودا