ووصل عقيب ذلك كتاب من نائب الشام يخبر أن أيام الوسم الذين يزرعون فيه الأراضي فاتت، ووجدت أهل الشام لذلك مشقة عظيمة إلى أن خرجت المشايخ والصلحاء والفقراء واستغاثوا فلم يسقوا، وأقام الحال على ذلك ثلاثة أيام، ثم نودى في دمشق أن لا يبقى أحد إلا ويخرج للاستغاثة إلى الله تعالى، فخرج نائب الشام وجميع العسكر، وأن الله تعالى قبل دعاءهم، وأنزل عليهم الغيث.

وجاءت الأخبار أيضا من جهة القدس والخليل عليه السلام أن الوسم الذي يعتادونه في أيام زروعهم قد فات أوانه، وانقطع الغيث عن بلادهم، وعن جميع بلاد الساحل، وأن الأعين والآبار قد جفت ولم يبق فيها ماء إلا قليل جدا حتى عين سلوان.

وكذلك جف النيل بمصر وتناقص عن زيادته، فتحسن سعر الغلة إلى أن وصل القمح بعد الأربعين إلى سبعين، ثم لطف الله بالوفاء وكسروا الخليج، وبعد الوفاء بلغ النيل إلى سبعة عشر إصبعا، ثم نزل سريعا، وكسر بحر ابن منجى قبل أجله بثلاثة أيام خشية من النقص، فصار السعر يتزايد كل يوم إلى أن بلغ القمح إلى مائة درهم الأردب، والشعير إلى ستين، والفول إلى خمسين، وبلغ الرطل من اللحم إلى ثلاثة دراهم، وكان راتب البيوت في ذلك الوقت والجرايات لأرباب الرواتب كل يوم سبعمائة وخمسين أردبا من القمح والشعير، وراتب الحوائج خاناه عشرون ألف رطل من اللحم.

وفيها: ورد البريد من الشام يذكر أنه قد وصل إلى الفرات بالرحبة من عسكر التتار تقدير عشرة آلاف بيت بحريمهم وأولادهم ومواشيهم، وأنهم من عسكر بيدو، ولما انكسر بيدو خافوا من قازان وقصدوا بلاد الإسلام راغبين في الإسلام، وأن المقدم عليهم أمير يسمى طرغاى، وهو زوج بنت هلاون، ومعه أميران يسمى أحدهما ككتاى والآخر أركاون، فأرسل الملك العادل إلى علم الدين الدواداري بأن يتوجه إلى لقائهم لأنهم من جنسه، فتوجه الدواداري من دمشق عاشر ربيع الأول، ثم توجه بعده سنقر الأعسر.

ولما كان يوم الاثنين الثالث عشر من ربيع الأول: عاد سنقر الأعسر إلى دمشق وصحبته من مقدميهم وأعيانهم مائة فارس وثلاثة عشر فارسا، وخرج لملتقاهم نائب السلطنة، واحتفل الناس لدخولهم، وأنزلوهم بالقصر الأبلق، وأقاموا بدمشق إلى السابع من ربيع الآخر، ثم حضر الأمير حاج سيف الدين بهادر يستدعيهم إلى الأبواب الشريفة، فتوجهوا صحبة شمس الدين سنقر الأعسر، ثم ورد مرسوم للدواداري أن ينزل ببقيتهم في الساحل في أرض عثليث، فعبر بهم على دمشق من على المرج، ولم يمكن أحدا منهم من الدخول إلى دمشق.

وأما قضية بيدو، فإنه ملك بعد مقتل كيخاتو بن أبغا بن هلاون بن طلوبن جنكزخان، وكان كيخاتو ملك التتار بالعراقين، فأساء السيرة، وتعرض إلى أولاد التتار ونسوانهم، وأفحش في الفساد فيهم، فنقموا عليه وشكوا إلى بيدو ابن عمه، وهو بيدو بن طرغاى بن هلاون، ما يلقون منه، فاتفقوا على إعدامه وتعجيل جمامه، فوثب عليه بيدو وطرغاى وبستاى وخجك، فعلم بما هموا به، ففر من الأردو هاربا، للنجاة طالبا، وتوجه إلى نحو كرجستان لائذا، فأدركه الهلاك وقتل بمقام بيلا سوار من أعمال موغان في ربيع الآخر من هذه السنة، فكانت مملكته ثلاث سنين وشهورا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015