وما زال الأمر بينهم إلى أن وافقته سائر الأمراء، وكل ذلك بتعظيم كتبغا والأمراء الذين معه أمر العدو وحضوره، وأثبتوا ذلك أيضا في ذهن السلطان، وأجمع رأي الأمراء على أن يطلبوا زمام الآدر الشريفة ويعرفوه أنهم اختاروا أن يجتمعوا بأم السلطان ويعرفوها بالقضية، وكان هذا من رأي أمير سلاح حتى تعرف هي السبب الموجب لخلع ولدها من السلطنة تطييبا لقلبها؛ فطلبوا عند ذلك الزمام وعرفوه بان يعلم أم السلطان بالأمر الذي عقدوه، فدخل الزمام واستأذن أم السلطان، فأذنت لهم فحضروا إلى باب الستارة، وبعثوا السلام إليها، وعرفوها أن العدو قاصد بلاد الشام ومعه عسكر عظيم، وذلك لما سمع بوقوع الفتن في مصر من قتل السلطان والأمراء واختلافهم، وأن سلطانهم صغير، وقد أطمعه ذلك، وأن المسلمين في ألم عظيم بهذا السبب، وقد جفلت أهل البلاد، ونحن قد عزمنا على الخروج وإخراج العساكر والملتقى بهذا العدو، ونحن إذا خرجنا بالسلطان نخاف عليه من جهة السفر، وعند الملتقى أيضا، لأنه صغير السن، وأيضا ليس له حرمة في عين العدو، وهذا الأمر يحتاج إلى رجل كبير يدبر أمر المملكة، ويقيم ترتيب الملوك المتقدمة، ويكون له حرمة وسمعة في البلاد.

وتكلموا من هذا القبيل كلاما كثيرا وهي تسمع جميع ما يقولون، فعلمت بمقاصدهم، ثم كان جوابها: إذا خلعتم ابني فمن تولوه؟ قالوا: نولي مملوكه الأمير زين كتبغا، هو مملوك السلطان، وهو أحق أن يحفظ ابن أستاذه وبيت أستاذه وهو نائب عنه إلى أن يلتقي هذا العدو، فإن فتح الله تعالى وكسر العدو وحضرنا إلى مصر رجع الملك إلى السلطان، ويكون هو على نيابته، وإن كان غير ذلك فالأمر لله تعالى، فوافقتهم على قصدهم، وقالت: هو ولدكم فالذي ترونه مصلحة لكم وللمسلمين افعلوه، وإن عملتم معنا خيرا خلوني وولدي نروح عنكم وانتصلوا أنتم ودبروا ملككم كيف ما أردتم، فأخذوا في تطييب خاطرها، وحسنوا القول معها.

وخرجوا من عندها وشرعوا في تجهيز أمرهم، وأصبحوا نهار الأربعاء العاشر من محرم هذه السنة، فخلعوا السلطان الناصر محمد بن قلاون، وكانت مدة سلطنته في هذه المدة سنة إلا أياما قليلة.

ثم عقدوا بالسلطنة للأمير زين الدين كتبغا في هذا اليوم، وركب من دار النيابة على فرس النوبة، ومشيت سائر الأمراء وأرباب الوظائف في خدمته إلى أن دخل باب القلعة وجلس على تخت الملك، ثم شاور الأمراء فيمن يكون نائب السلطنة فوقع الاتفاق على الأمير لاجين المنصوري، واستمر بالحاج بهادر أمير حاجب على عادته، والأمير عز الدين الأفرم أمير جندار.

وفي يوم الخميس ثاني يوم السلطنة طلب سائر الأمراء وخلع عليهم.

وفي يوم الجمعة خطب له على سائر المنابر، ولقب نفسه بالملك العادل، وكتب إلى سائر النواب بالاستمرار، وسفر سطلمش بن صلغاى إلى نائب الشام الأمير عز الدين الحموي؛ وسفر الأمير طقجى إلى حماة وحلب، وسفر أمير عمر إلى طرابلس وبها الأمير عز الدين أيبك المنصوري.

وبعث إلى والدة السلطان بالشام فطيب خاطرها، وأهدى إليها شيئا كثيرا ورتب لها ولولدها جميع ما يحتاجون إليه من الكلف.

ثم شرع فيما يصلح أمر دولته، ومسك جماعة من الأمراء، وأمر جماعة من مماليكه ... ... وممن يلوذ به، وعين طبلخاناه لسطلمش بن صلغاى، وكان هو ممن اعتنى بدولته، وأمر أيضا ناصر الدين بن طرنطاى، وابن الحاج طيبرس، وابن أمير سلاح، وابن كتبغا الذي يسمى أنص، وجماعة من مماليكه مثل بتخاص ورتبه أستاذ الدار، وبكتوت الأزرق، وغراو، وتكلان، وغيرهم نحو عشرين مملوكا، وأفرج عن الأمير قفجق، وعبد الله السلحدار، ونورى، وقبلاى، وأمير عمر، وجماعة من الذين كانوا قبضوا، وعزل الصاحب تاج الدين بن حنا عن الوزارة، وولى القاضي فخر الدين بن الخليلي، وعزل علم الدين الصوابي الجاشنكير من ولاية القاهرة، وولى عوضه شمس الدين الملقب بضلموه الحلبي، وكان واليا بمصر، وتولى مصر شمس الدين بن التكريتي.

ثم رسم بتجريد الأمير شمس الدين سنقر البكتوتي، يعرف بالمساح، ومعه أربعة آلاف فارس، وصحبته الأمير حسام الدين الأستاذ دار، والأمير شمس الدين نوكيه، والأمير سيف الدين بلبان الحبشي إلى نحو سيس، ليكون سمعة للعدو خروج عسكر مصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015