فطلبوا الأزرق وبتخاص وتكلموا في ذلك، فما منهم إلا وقد حسن له هذا ووافقهم عليه.

وانفصل مجلسهم على أن يبذل الذهب والفضة للأمراء والأكابر، ويستميلهم إليه، فشرع في ذلك، وأرسل لكل مقدم ألف دينار، ولبعضهم ألفى دينار، ولما أرسل إلى ... .... ... وهي ألفى دينار، قال لمملوكه هذه من أجل إيش، فقال: يا خوند هدية من مملوكك وولدك فتمتم وقال: لا يكون يريد السلطنة، قال له: يا خوند نعوذ بالله.

فأقام أياما وهو يستجلب خواطر الأمراء الأكابر، ثم الأمراء الخاصكية والأمراء الجوانية، وهو مع ذلك وحاشيته يحترسون على نفوسهم.

ثم اجتمع بأكابر الأمراء وشرع معهم في ... ... بأمر المماليك، وما سمعه منهم وما يبلغه عنهم، وشكا شكايات كثيرة، ووقع الاتفاق بينهم على أن هؤلاء جماعة كثيرة فلا يمكن إخراجهم من مصر إلى غيرها، ولكن نفرقهم على الأمراء بمصر، كل واحد منهم، طائفة منهم، ثم اتفقوا على الاجتماع بالطواشى المقدم والحسام الأستاذدار، ويتفقون معهما على الدخول إلى السلطان، فدخلوا وشرعوا يعرفون السلطان أن هؤلاء يقصدون الفتنة بين المسلمين، وإراقة الدماء، فيسمع العدو بذلك فيطمع في الملك. فقال السلطان: مهما أشرتم به هو المصلحة فافعلوا ما تختارون.

فخرجت الأمراء والخاصكية صحبة كتبغا، فجلسوا على باب القلعة، وطلبوا الطواشى المقدم، وصاروا يدعون طبقة بعد طبقة، فأي من حضر كتب اسمه واسم الأمير الذي يرسم له بهم، فيقوم كل واحد ويقبل الأرض ويأخذ ما يخصه منهم، وينزل وهم قدامه إلى منزله.

وكتبوا باسم البيسرى مائة مملوك، وكذلك لكل أمير من الأمراء الكبار مائة مملوك، وسبعين مملوك وستين، وخمسين، ولكل أمير عشرة عشرة، وما دون ذلك، وبقيت منهم جماعة فأنزلوهم إلى المدينة، ثم سيروا منهم جماعة إلى قلعة الكرك، وأقاموا ثلاثة أيام يفعلون ذلك إلى أن استوفوا الكل، واطمأن قلب كتبغا والأمراء، وأمنوا من جهتهم.

وبعد أيام حضر مملوك نائب حلب وصحبته بعض القصاد وأخبر أن السلطان بيدو - ملك المغول - لما قتل كيخاتو، ملك البلاد كلها، وأطمعته نفسه في الدخول بعساكره إلى الشام ليملكها، بسبب ما بلغه من أخبار مصر ومن اختلاف أمرائها وعساكرها، وأنه ليس فيهم كبير يرجع إليه، وأن سلطانهم صغير السن، وأنه قد سير وراء سائر أمراء المغول وجنده، وهو على تجهيز أمره للركوب.

فكان هذا الأمر لكتبغا ولأصحابه أحب ما يكون، فطلبوا سائر الأمراء وجلس السلطان وأمراء المشورة وسمعوا ما قاله القصاد وكتاب نائب حلب.

وبعد قيامهم أخذ كتبغا مع لاجين وقراسنقر في أمره، واتفقوا على أن يسعوا في أمر السلطنة لأجل صغر السلطان، وأن العدو ثقيل، والعسكر تحتاج إلى تدبير ونفقات، فصار لاجين وقراسنقر في هذا الكلام مع سائر الأمراء وأعيان العسكر وأرباب الدولة.

قال صاحب النزهة: ذكر لي علاء الدين مغلطاى مملوك البيسرى أن أستاذه لما بلغ إليه هذا الأمر وسمعه من الأمراء، قال لي يا مغلطاى: عمل والله كتبغا على السلطنة ولعب بعقله لاجين وقراسنقر، قال: فقلت له يا خوند: أنتم توافقونه على ذلك. قال لي: نحتاج أن نوافقه لأن شوكته قويت، واستمال الحاج بهادر والأمراء، ولا بد له من هذا الأمر، وإلا فلا تسكن الفتن، على أنه ما يقيم في السلطنة إلا قليلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015