وكانوا قد أخرجوا منهم جماعة من سجن القلعة وهم الأشرار الذين أقاموا هذه الفتنة، وقصدوا قطع أيدي بعضهم وتوسيط بعضهم، فشرعوا في ذلك فما لحقوا أن يفعلوا ذلك بنفرين أو ثلاثة حتى انقلبت الأبراج التي في القلعة بالصياح والرهج والعويل، وخرجت جماعة من المماليك من الأبراج مستصرخة بالسلطان والأمراء، فسمع بذلك كتبغا فلبس في الحال، ولبس مماليكه ... ... الطواشى المقدم وحسام الدين الأستاذ دار، والتقوهم بالصدود ومنعوهم من ذلك فلم يرجعوا، ثم إنهم دخلوا إلى السلطان، وبكوا، وقالوا: أنت تكون أستاذنا وتعيش، ونحن نقتل فداك، ثم قالوا؟ إعطنا دستورا حتى نموت بسيوفنا، ولا نقتل بسيوف غيرنا، فبكى السلطان وتوجع، فاجتمعت الخاصكية ورؤوس الأطباق ... ... ... فبلغ ذلك كتبغا، فطلب الحاج بهادر والحسام الأستاذ دار وحسام الدين ... ... ... وشرع يتلافى الأمر خشية الفتنة وسألهم أن يدخلوا إلى السلطان ويعرفوه أنهم ما ركبوا عليه إلا وقد قصدوا قتله والفتنة بين المسلمين، فدخلوا على السلطان وعرفوه بذلك، وأن الحال قد سكنت فما بقى أحد يوصل إليهم أذى، وضمنوا ذلك إلى أن أخمدوا هذه الفتنة، وبلغ كل واحد من مماليك السلطان إلى مكانه، ثم أنكرت الأمراء على المقدمين أن وافقوا هؤلاء حتى نزلوا من الأبراج، وكانوا قد عزلوا من المماليك الراكبين ستين مملوكا من أشرارهم على أن يتلفوهم، فجرى أمر الله تعالى على ست نفر منهم ... ...، والباقي سجنوا بخزانة البنود مقيدين، وانفصل الأمر على هذا.

ودخل كتبغا إلى خدمة السلطان، وأرسلت إليه والدة السلطان تقول له أن يعفو عن مماليك السلطان وأنهم خشداشية متى فعلت بهم هذا الأمر يكون كل يومين وثلاثة فتنة وفساد حال وإتلاف أنفس، فأشتهي أن تتركونى أنا وولدي نروح إلى الكرك فنقعد هناك، فأربي ولدي إلى أن أموت أنا، أو يموت هو، ونستريح من هذه الفتن التي تحدث كل ساعة.

فلما بلغ الطواشى هذا الكلام لكتبغا بكى وشكا مما يجده من الضرر منهم، ومن الركوب عليه كل وقت، وأما السلطان فإنه أستاذي وابن أستاذي، وما عندي أعز منه أحد، إنما أشتهي أن يخرجني من مصر فإن هؤلاء يعملون على قتلي، وشكا من هذا الباب شكاية كثيرة، ثم إن الحال سكنت على السكوت وإخماد الفتن.

وبقى كتبغا يدخل إلى الخدمة، ولكنه محترس على نفسه، وكذلك مماليكه.

وفي تاريخ ابن كثير: لما ركب المماليك الذين في القلعة، تصافوا تحت القلعة، ثم أدركهم سيف الدين بهادر الحاج السلحدار، وهو يومئذ أمير حاجب وركب معه جماعة بالعدد والسلاح، فأدركوهم واحتاطوا عليهم، فمنهم من صلب، ومنهم من شنق، وقطع أيدي آخرين منهم، وألسنتهم، وكانوا قريبا من ثلاثمائة أو يزيدون، وكان هذا سببا لحركة زين الدين كتبغا، وركوبه إلى السلطنة التي لم يتم له أمرها.

سلطنة زين الدين كتبغا المنصوري

قال بيبرس في تاريخه: حسن الشيطان بآراء من حول المشار إليه من المماليك والصبيان أن يستبد بالسلطنة، ويستقل بالمملكة، فحملوه على ذلك، وألجأوه إلى أن وافقهم على رأيهم، وجلس في السلطنة وتسمى بالعادل.

وفي نزهة الناظر: كان كتبغا يدخل إلى الخدمة وهو يحترس، وكذلك لاجين وقراسنقر، فاتفق في بعض الأيام أن دخل كتبغا ولاجين قدامه وقراسنقر معه، وكتبغا قد كلم لاجين بكلام فضحك منه وبعض المماليك، فنظره مع جماعة من طاق مطلة على الدهليز الذي منه دخلوا ... ... ... ...: أي والله يا أشقر يحق لك أن تضحك، قتلت أستاذنا بسيفك، ثم تضحك ... ... ... فسمعه لاجين وكتبغا ومن كان قريبا منهما.

فنظر كتبغا إلى لاجين وقراسنقر، وكتموا ما سمعوا منه، وبقى في نفوسهم إلى أن خرجوا من القلعة.

ولما ... ... ... قراسنقر ولاجين عند كتبغا، وقالوا: يا أمير تحقق أننا وأنت مقتولون مع هؤلاء المماليك لا محالة، وخصوصا قد أركن إليهم السلطان، والخاصكية، وما هم عسى يعملون، وقد فعلنا مع خشداشيتهم كل سوء، وأنت قتلت كبيرهم، وحبست أمراءهم، وعملت معهم كل قبيح حتى سمعت اليوم ما قالوه لنا، ويكفي ... ... ... هذا القول أن يتبعه فعل في حقنا، خصوصا بعد دخولنا الخدمة أو خروجنا، وهذا أمر يطول شرحه، أما آن نقوم لبيعتك وتنصب في الملك وتؤمر جماعة من مماليكك وحاشيتك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015