وفي تاريخ ابن كثير وغيره: لما كان يوم عاشوراء نهض جماعة من مماليك الأشرف، وكبيرهم اثنان كتبغا وساطلمش، وخرقوا حرمة السلطان وأرادوا الخروج عليه، وجاءوا إلى سوق السلاح، فأخذوا ما فيه، واحتاطوا على ما في الإصطبلات من الخيل، وهجموا خزانة البنود، وأخرجوا من كان مسجونا بها من خشداشيتهم، واجتمعوا وذهبوا إلى سوق الخيل.

وقال بيبرس في تاريخه: لما كان ذات ليلة من الليالي، نهض الذين في الكبش والميدان وركبوا ودخلوا إلى المدينة، واستدعوا من كان في دار الوزارة فلم يجيبوهم إلى ما قصدوا ولا وافقوهم فيما اعتمدوا، وهم سيف الدين يرلطاى وخوشداشيته، وهجموا خزانة البنود وأخرجوا من كان مسجونا بها من خواشداشيتهم، ونهبوا من الإصطبلات ما أمكنهم، وبينما هم على ذلك إذ تبلج الصباح وبدا الضوء ولاح، فركب الأمراء الذين في القلعة ومن عندهم من المماليك وقصدوهم فتصافوا تحت القلعة.

ذكر ركوب الأمراء والحاجب والوالي

قال صاحب النزهة: لما وقع الصوت في المدينة خرجت أصحاب الدكاكين وركب الوالي وأتى إلى باب الحاجب فأيقظه، فقام وركب، وبلغ الخبر إلى كتبغا، فجلس في الشباك، وطلب قراسنقر ولاجين وبقية الأمراء، وقصد النزول إليهم فمنعوه، واتفق رأيهم على أن يعرفوا أصحاب النوبة الذين خارج باب القلعة فيروحون ويركبون الحاج بهادر والحاجب ومن من الأمراء ويأتى بهم إليهم، فإذا رأوه قد وصل بهم إليهم فتحوا باب القلعة ونزلوا هم أيضا، فوصل إلى الحاج بهادر من يعرفه الخبر، فساق من باب زويلة إلى أن وصل إلى سوق الخيل وضربت طبلخانات الأمراء وفتحوا باب القلعة ونزلت الأمراء الذين هناك مع المماليك السلطانية، فحملوا عليهم وهم في سوق الخيل حملة صادقة، ولما رأى هؤلاء تلك الحملة مع كثرة الجموع خافوا ولم يثبتوا، بل انهزموا هزيمة فاضحة، ولم يلتفت منهم أحد، وتفرقوا في سائر الطرقات فرقة فرقة، فمنهم من طلب نحو بركة الحبش، ومنهم من طلب الترب، ومنهم من طلب نحو باب النصر والحسينية، ومنهم من طلب نحو الصليبة وجامع ابن طولون وغيرها، وراحت الأمراء والأجناد خلفهم، ثم عادت الأمراء وطلعوا القلعة، وجلس الأمير سلاح والبيسرى وأكابر الأمراء مع كتبغا، وكتبغا من حنقه وغيظه لا يدري ما يقول.

ووقع الصوت في القلعة من الحرافيش، فحضروا ومعهم مملوكان أو ثلاثة وقد عروهم وأتوا بهم إلى الشباك، ومماليك كتبغا ملبسون واقفون، وما يقع نظر واحد منهم على مملوك يحضره الجند أو العوام إلا وقد هبروه بالسيوف قطعا قطعا ومنهم من بيده دبوس يضرب الرجل منهم على رأسه فيقع ميتا لوقته.

فلما رأى الأمراء ذلك أنكروه، وصاح أمير سلاح والبيسرى وطرطش على مماليك كتبغا صياحا منكرا، وقالوا لكتبغا: ما هذا العمل؟ أنت تعمل هذا ونحن قعود، فرأى كتبغا منهم الخنق، فقال يا أمراء: أنا أي شيء عملت حتى يفعلوا في حقي هذا الفعال. فقال له طرطش: يا أمير إن السلطان الملك المنصور اشتراك واشتراهم لينفعوا الإسلام والمسلمين، وتردوا العدو، وتجاهدوا في سبيل الله، وتذبوا عن المسلمين، وأنت ما تفكر إلا في مصلحة نفسك، فإذا حضر عدو من أعداء المسلمين أنت تلقاهم وحدك.

فلما رأى كتبغا قيام الأمراء عليه منع مماليكه، واتفق الحال على أن هؤلاء يحبسون، ويؤدبون بالقيد والحبس، ويفرقون في الحبوس، فبقوا نحو خمسة أيام والناس تحضرون منهم طائفة بعد طائفة من سائر الأماكن، وكل من يحضر يقيد إلى أن يحصل منهم نحو أربعمائة مملوك.

واستقر الحال على أن يسجنوا بعد ذلك في سجن إسكندرية وبرج دمياط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015