الخاتون الكبيرة المعمرة مؤنسة خاتون بنت الملك العادل سيف الدين أبي بكر ابن أيوب.
توفيت بالقاهرة ودفنت بالقرافة الصغرى، وكانت تعرف بالدار القطبية وبدار إقبال، وهي أخت الأمير قطب الدين وهي التي أطلق عليها اسم دار القطبية، وكانت دارها المارستان المنصوري، اشتروها منها على كره وأخربوها، وعمروها، وتركوا القاعة بحالها، واتفق لها مع السلطان الملك المنصور، لما سير الشجاعي إليها ليشتري الدار المذكورة، لأجل عمل المارستان والتربة، ونزل الشجاعي فلم تلتفت إلى نزوله وردته ردا جميلا، ثم سير السلطان الطواشى حسام الدين وعرفها أن السلطان يقصد أن يعمر هذه الدار مارستانا ويقف عليه أوقافا، فقالت: شيء يكون لنا فيه أجر ففيه السمع والطاعة، وأما لأجل السكن فنحن أحق بالسكنى من غيرنا.
وكانت ذات عقل وأدب وفطنة، وروت بالإجازة عن عفيفة الفارقانية، وعين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج، وأوقفت قبل وفاتها أوقافا كثيرة على أهلها وقرابتها، وعلى الفقراء والمساكين، وخلفت بالقصر آثارا حسنة من الزجاج وغيرها مما فيه نفع بنقوش وطلسمات وآيات من الكتاب العزيز، من الأشياء النافعة للدغ الحية والعقرب وعض الكلب الكلب والقولنج ومغل الخيل، وكتب لها إجازة بحديث النبي عليه السلام، وخلفت مالا جزيلا، وأوصت أن يعمل لها مدرسة بجميع ما تحتاج إليه من الفقهاء والقراء، وهي إلى الآن باقية تعرف بالمدرسة القطبية، ولدت سنة ثلاث وستمائة.
فصل فيما وقع من الحوادث في
استهلت هذه السنة، والخليفة: الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي.
وسلطان البلاد: الملك الناصر محمد بن قلاون، وهو ابن اثنتى عشرة سنة وشهور.
ومدبر المماليك وأتابك العساكر: زين الدين كتبغا.
ونائب الشام: الأمير عز الدين أيبك الحموي. ونائب حلب.
وصاحب حماة: الملك المظفر تقي الدين.
وصاحب ماردين: الملك السعيد.
وصاحب مكة: نجم الدين أبو نمى الحسني.
وصاحب المدينة: عز الدين بن شيحة، وكان بينه وبين أبي نمى معاندة، واتفقت لهم وقائع كثيرة، وقتل من بني حسن ومن بني حسين جماعة كثيرة.
وصاحب المغول: بيدو بن هلاون.
وكان السبب لذلك ما ذكرنا من اتفاق الأمراء مع كتبغا على إنزالهم إلى دار الوزارة ومناظر الكبش، ومنعهم إياهم من الركوب، وكانوا حملوا من ذلك حقدا كبيرا، وصاروا لا يهنأ لهم عيش، وخصوصا كان الخدام الذين يحكمون عليهم يمنعونهم عن الخروج والاجتماع بالناس، ورأوا أنفسهم في ذلة ومسكنة، فصار منهم من يسرق نفسه ويأتي من دار الوزارة في الليل إلى ناحية الكبش، ومنهم من يأتي من الكبش إلى دار الوزارة، وما زالوا على ذلك حتى قويت نفوسهم، وأرادوا ركوب الخيل لأجل الحركة، فعزموا على ذلك، على أنهم إما أن يظهروا ويظفروا ببلوغ المنى، وإما أن يموتوا على خيولهم. ولكن ليس عندهم خيل ولا سلاح، ثم تراسلوا واتفقوا على أن يخرجوا على ميعاد واحد ويهجموا على الإصطبلات التي بالمدينة وعلى سوق السلاح، ومهما قدروا على ذلك يأخذونه وينهبونه، ثم يكون اجتماعهم في سوق الخيل، ويعينهم على ذلك خشداشيتهم الذين بالقلعة، ولما وقع اتفاقهم على ذلك خرجوا في الثلث الأول من الليلة الثالثة عشر من محرم هذه السنة على حمية من دار الوزارة، وكبسوا كل إصطبل وجدوه قريبا منهم، سواء كانت لجندي أو مقدم أو أمير أو قاض أو عامي، فما مضى ساعة من الليل حتى ركب أكثرهم وبعضهم مشاة، فجاءوا إلى سوق السلاح وكسروا أبواب الدكاكين وأخذوا منها سلاحا وعددا على قدر كفايتهم، ووقع الصياح في المدينة ورأت الناس منهم ما أعجزهم، فبلغ الخبر إلى الوالي والحاجب وأصحاب الحرس، فأخذوا في الاحتراز منهم، ثم أنهم توجهوا إلى باب السعادة فأحرقوا أقفالها وكسروها، وخرجوا وذهبوا إلى سوق الخيل، وكان جميعهم على ميعاد واحد في الركوب والاجتماع في سوق الخيل، وكبسوا أيضا على إصطبل الجوق وركبوا كل خيل فيها، ثم اجتمعوا ووقفوا عند الإصطبل.