قال أبو شامة: هذه صورة ما وقفت عليه من الكتب الواردة منها: لما كانت ليلةالأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ظهر بالمدينة النبوية دوىٌّ عظيم، ثم زلزلة عظيمة رجفت منها الأرض والحيطان والسُقُف والأخشاب والأبواب ساعةً بعد ساعةٍ إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور، ثم ظهرت نار عظيمة في الحرة قريبة من قريظة، نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وهى نار عظيمة، إشعالها أكبر من ثلاث منائر، وقد سالت أودية منها بالنار إلى وادى شظا مسيل الماه، وقد سدَّت مسيل شظا وما عاد يسيل، والله لقد طلعنا ونحن جماعة نبصرُها، فإذا الجبال تسيل نيرانا، وقد سدَّت الحرَّة طريق الحاج العراقى، فسارت إلى أن وصلت إلى الحرَّة، فوقفت بعد أن أشفقنا أن تجىء الينا، ورجعت تسير في الشرق، تخرج من وسطها مهود وجبال نيران تأكل الحجارة، فيها أنموذج عما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز فقال عز من قائل:) إنها ترمى بشرر كالقصر، كأنه جمالات صفر (. وقد أكلت الأرض.

وقد كتب هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين وستمائة، والنار في زيادة ما تغيرت، وقد عادت إلى الحرار في قريظة طريق عير الحاج العراقى إلى الحيرة، كلها نيران تشعل، نبصرها في الليل من المدينة كأنها مشاعل الحاج، وأما أم النار الكبيرة فهى جبالُ نيران حمر، والأمُّ الصغيرة النارالتى سألت النيران منها من عند قريظة وقدزادت، وما عاد الناس يدرون أى شيءٍ يتم بعد ذلك، والله يجعل العاقبة إلى خير وما أقدر أن أصف هذه النار.

وقال أبو شامة: في كتاب آخر ظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة: وقع بالمدينة في شرقيها نار عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم، انفجرت من الأرض، وسال منها واد من نار حتى حاذى جبل أحد، ثم وقف وعادت إلى الساعة، ولا ندرى ماذا نفعل، ووقت ما ظهرت دخل أهل المدينة إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم مستغفرين تائبين إلى ربهم تعالى، وهذه دلائل القيامة.

قال: وظهر كتاب آخر: لما كان يوم الإثنين مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وقع بالمدينة صوت تشبه صوت الرعد البعيدة تارة وتارة، أقام على هذه الحالة يومين، فلما كان ليلة الأربعاء ثالث الشهر المذكور تعقب الصوت الذى كنا نسمعه زلازل، فتقيم على هذه الحالة ثلاثة أيام، يقع في اليوم والليلة أربع عشرة زلزلة، فلما كان في يوم الجمعة خامس الشهر المذكور انجبست الأرض من الحرَّة بنار عظيمة، تكون قدرها مثل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى برأى العين من المدينة، نشاهدها وهي ترمى بشرر كالقصر، كما قال الله عز وجل، وهى بموضع يقال له أجلين، وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصف، وهى تجرى على وجه الأرض، وتخرج منها أمهاد وجبال صغار، وتسير على وجه الأرض وهو صخرٌ يذوب حتى يبقى مثل الآنك، فإذا جمد صار أسوداً، وقبل الجمود لونه أحمر، وقد حصل بطريق هذه النار إقلاع عن المعاصى والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة إلى أهلها.

قال أبو شامة: ومن كتاب شمس الدين بن سنان بن عبد الوهاب بن نميلة الحسنين قاضى المدينة إلى بعض أصحابه: لما كان ليلة الربعاء ثالث شهر جمادى الآخرة حدث بالمدينة في الثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها، وباتت باقى تلك الليلة تُزلزل كل يوم وليلةٍ قدر عشر نوبات، والله لقد زلزلت مرةً ونحن حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب لها المنبر إلى أن سمعنا منه صوتاً للحديد الذى فيه، واضطربت قناديل الحرم الشريف النبوى ودامت الزلزلة إلى يوم الجمعة صحىً، ولها دوِىَّ مثل دوى الرعد القاصف، ثم بين فيه صفة النار، ثم قال: وكتب الكتاب يوم خامس رجب وهى على حالها، والناس منها خائفون، والشمس والقمر يوم يطلعان ما يطلعان إلا كاسفين، فنسأل الله العافية.

قال أبو شامة: وبان عندنا بدمشق أثر الكسوف من ضعف نورها على الحيطان، وكنا حيارى من ذلك إش هو إلى أن جاءنا هذا الخبر عن هذه النار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015