قال: وجاء كتاب من بعض بنى القاشانى بالمدينة يقول فيه: وصل إلينا في جمادى الآخرى نجابة من العراق وأخبروا عن بغداد أنه أصابها غرقٌ عظيم حتى دخل الماءُ من أسوار بغداد إلى البلد، وغرق كثير من البلد، ودخل الماء دار الخليفة وسط البلد، وانهدمت دار الوزير وثلاثمائة وثمانون داراً،) وانهدم مخزن الخليفة (، وهلك من خزانة السلاح شيءٌ كثير، بل تلف كله، وأشرف الناسً على الهلاك، وعادت السفن تدخل إلى أوسط البلد وتخترق أزقة بغداد، ثم ذكر فيه حكاية النار.

وقال ابن كثير رحمه الله: الحديث الوارد في هذه النار مخرّج في الصحيحين من طريق الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:) لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضىءُ أعناق الإبل ببُصرى (. وهذا لفظ البخارى، وقد وقع هذا في هذه السنة، أعنى سنة أربع وخمسين وستمائة كما ذكرنا.

وقد أخبرنى قاضى القضاة صدر الدين على بن أبي القاسم التميمى الحنفى الحاكم بدمشق في بعض الأيام في المذاكرة وجرى ذكر هذا الحديث وما كان من أمر هذه النار في هذه السنة: فقال: سمعت رجلاً من الأعراب يخبر والدى ببُصرى في تلك الليالى أنهم رأوا أعناق الإبل في ضوءِ هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز.

وقال ابن كثير: وكان مولده في سنة ثنتين وأربعين وستمائة، وكان والده مدرساً للحنفية ببصرى، وكذلك كان جدُّه، وهو أيضاً قد درَّس بها، ثم انتقل إلى دمشق فدرس بالصادرية وبالمقدمية، ثم ولى قضاء القضاة الحنفية، وكان مشكور السيرة في الأحكام، وقد كان عمره حين وقع هذه النار بالحجاز ثنتى عشرة سنة، ومثله ممن يضبط ما سمع من الخبر أن الأعرابى أخبر والده في تلك الليالي.

وقال أبو شامة: وفي ليلة الجمعة مستهل شهر رمضان من هذه السنة احترق مسجد النبى عليه الصلاة والسلام، وابتداء حريقه من زاويته الغربية من الشمال، وكان دخل أحد القومة إلى خزانة ثم، ومعه نار فعلقت في آلاتٍ ثمَّ، واتصلت بالسقف سرعةً، ثم دبت في السقوف آخذةً قبلةً، فاعجزت الناس عن قطعُها، فما كان إلا ساعة حتى احترقت سقوف المسجد أجمع، ووقعت بعض أساطينه وذات رصاصها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقف الحجرة النبوية على ساكنها السلام، ووقع ماوقع منه في الحجرة وبقى على حاله لما شرع في عمارة سقفه وسقف المسجد، وكان ذاك ليلة الجمعة وأصبح الناس فعزلوا موضعاً للصلاة.

وَعُدّ ماوقع من تلك النار الخارجة وحريق المسجد من جملة الآيات، وكأنها كانت منذرة عما يعقبها في السنة الآتية من الكائنات على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ونظم بعضهم في هذه النار وغرق بغداد بيتين، قال:

سبحان من أصبحت مشيئته ... جاريةً في الورى بمقدار

أغرق بغداد بالمياه كما ... أحرق أرض الحجازِ بالنار

قال أبو شامة: كان ينبغي أن ينبه على أن الأمرين في سنة واحدة، وإلا فالإغراق والإحراق يقعان كثيراً، فالصواب أن يقال:

في سنة أغرق العراق وقد ... أحرق أرض الحجاز بالنار

وقال:

بعد ستّ من المئين وخمسين ... لدى أربع جرى في العام

نار أرض الحجاز مع حرق ... المسجد مع غريق دار السلام

ثم أخذ التتار بغداد في ... أول عام من بعد ذاك بعام

لم يفن أهلها وللكفر أعوانعليهم يا ضيعة الإسلام

وانقضت دولة الخلافة منها ... صار مستعصم بغير اعتصام

وفيها:) (.

وفيها: حج بالناس) . (.

ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ الفقيه أبو محمد عبد الوهاب بن على بن عبد الوهاب بن مناس الطرابلسى المالكى.

وكان قد ولى القضاء بطرابلس المغرب والمهدية، ثم استوطن الإسكندرية. وكان شيخاً صالحاَ. توفى في هذه السنة.

الشيخ عماد الدين عبد الله بن النحاس الزاهد الورع.

خدم الملوك ووزر بالعجم، وانقطع في آخر عمره بجبل قاسيون، وأقام ثلاثين سنةً مشغولاً بالله، ويقضى حوائج الناس بنفسه وماله. توفى في هذه السنة، ودفن بقاسيون بدمشق.

وهو الذى قال له ابن شيخ الشيوخ فخر الدين: والله لأسبقنك إلى الجنة بمدة، فسبقه فخر الدين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015