وفي تاريخ بيبرس: ركب السلطان في نفر يسير من خواصه ليتصيد قريبا من الدهليز، وكان إذ ذاك نازلا على تروجة، فأخبر بيدرا ومن معه من أن السلطان ركب منفردا، فقالوا: هذا وقت انتهاز الفرصة، فشدوا تراكشهم وركبوا إلى نحوه، وهم: بدر الدين بيدرا، وحسام الدين لاجين، وشمس الدين قراسنقر، وسيف الدين بهادر رأس النوبة، وشمس الدين آقسنقر الحسامي، وسيف الدين نوغيه، ومحمد خواجا، وطرنطاى الساقي، والطنبغا رأس نوبة، ومن انضم إليهم، وكان دون السلطان مخاضة فخاضوها، فلما أقبلوا عليه عصبة واحدة أحس فيهم بالشر، وظهرت له علامات الغدر، فأعجلوه عن الكلام وعاجلوه بالكلام وعلوه بالحسام.
وقيل: إن بيدرا ضربه أولا فجرحه، ثم ضربه لاجين فقطع يده والزخمة فيها وثنى فيها وثنى عليه بأخرى، فانجدل صريعا، ثم تخاطفته سيوف الأمراء المذكورين وترك صريعا يبج دما نجيعا، وكان بتروجة الوالي عز الدين أيدمر الفخري، فحمل السلطان على جمل من الموضع الذي قتل فيه إلى ساحل البحر، وحمل في مركب إلى المدينة، ودفن بتربته بالقرب من السيدة نفيسه رضي الله عنها.
وفي نزهة الناظر: حكى متولى تروجة أنهم سلبوا كل ما كان على السلطان من الثياب، وعروه، ولم يتركوا عليه إلا السراويل لستر عورته، وأنه هو الذي ستره بالثياب، وحمله على جمل إلى المعدية.
هو السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن السلطان الملك المنصور قلاون الصالحي النجمي الألفي.
قتل في الثالث عشر من محرم هذه السنة، وكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وشهرين وأياما، فإنه ملك السلطنة بعد وفاة والده الملك المنصور يوم السبت السادس من ذي القعدة من سنة تسع وثمانين وستمائة على ما ذكرنا، وكان الأشرف شهما شجاعا، عالي الهمة، حسن المنظر، قد عزم على غزو العراق واسترجاع تلك البلاد من أيدي التتار، واستعد لذلك ونادى به في بلاده، وقد فتح في مدة ملكه - وكانت ثلاث سنين - عكا والسواحل، ولم يبق للفرنج بها معلم لأحد، وقلعة الروم، وبهنسى، ومرعش، وغير ذلك.
وفي تاريخ النويري: وكان ملكا مهيبا شجاعا، مقداما جسورا، جوادا كريما بالمال، أنفق على الجيش في هذه الثلاث سنين ثلاث نفقات: الأولى: في أول جلوسه في السلطنة من مال طرنطاى.
والثانية: عند توجهه إلى عكا.
والثالثة: عند توجهه إلى قلعة الروم.
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كان قبل ولاية الأشرف يؤخذ عند باب الجابية بدمشق عن كل جمل خمسة دراهم مكسا، فأول ما تسلطن وردت إلى دمشق مسامحة بإسقاط هذا، وبين سطور المرسوم بقلم العلامة: ولتسقط عن رعايانا هذه الظلامة ويستجلب لنا الدعاء من الخاصة والعامة.
وفي نزهة الناظر: وكان قد شغف بتحصيل المماليك إلى أن كمل ألفا ومائتى مملوك، وأضافهم إلى مماليك والده، وقصد أن يكملهن مع مماليك أبيه عشرة آلاف مملوك، فإن والده توفى عن ستة آلاف مملوك في مدة سلطنته، وكان أول غزوته وفتوحه حصن عكا، وكان حصنا عظيما، وأخذ صور، وعثليث وغيرها، وفتح صيدا، وبيروت، وملك بهسني وثلاث قلاع من قلاع سيس، وعزم على دخوله إلى ناحية بغداد ويدوس بلاد العدو، وكتب إلى نائب حلب بتجهيز سلاسل للجسور لدخوله الفرات، وقبض على مهنى وإخوته، وخافته الملوك من سائر الأطراف وأذعنوا له بالطاعة.