وصاحب الديار الشامية: السلطان الملك الناصر يوسف، وكان قد أرسل في هذه السنة كمال الدين المعروف بابن العديم الحلبى رسولاً إلى الخليفة المستعصم بالله وصحبته تقدمة جليلة، وطلب خلعة من الخليفة لمخدومه.
ووصل أيضاً من جهة الملك المعِزّ أيبك صاحب الديار المصريَّة رسول إلى الخليفة وهو شمس الدين سنقر الأقرع، من مماليك المظفر غازى صاحب ميافارقين، وصحبته تقدمة جليلة إلى الخيفة، وسعى في تعيطل خلعة الناصر يوسف صاحب دمشق.
فبقى الخيفة متحيّراً، ثم أنه أحضر سكيناً كبيرة من اليشم وقال لوزير: إعط هذه السكين لرسول صاحب الشام علامة مني في أن له خلعة عندى في وقت آخر، وأما في هذا الوقت فلا يمكننى، فأخذ كمال الدين بن العديم السكين وعاد إلى الملك الناصر بغير خلعة.
وفيها قبض المعز على الأمير علاء الدين أيدغدى العزيزى لأنه اتهمه، فامسكه وسجنه.
وفيها أرسل المعزّ إلى صاحبى حماة والموصل يخطب ابنتيهما لنفسه، وبلغ ذلك شجر الدر والدة خليل الصالحيّة وأنكرته وأكبرته، لأنه بها وصل إلى ما وصل، وبوصلها حصل من الدولة والصولة على ما حصل، فدبرت على إعدامه وقررت قتله مع خدامها وخدامه، على ما يأتى إن شاء الله تعالى.
أعلم أن التتار دخلوا في هذه السنة إلى الروم مرتين: الأولى: جرَّد منكوقان بن طولخان بن جنكزخان الأمير جرماغون والأمير بيجو ومعهما جماعة من العساكر إلى بلاد الروم، وهى يومئذ في يد السلطان علاء الدين كيقباذ بن السلطان غياث الدين كيخسرو، فساروا اليها ونزلوا على آرزن الروم وبها سنان الدين ياقوت أحد مماليك السلطان علاء الدين كيقباذ، فحاصروها مدة شهرين ونصبوا عليها إثنى عشر منجنيقاً، فهدموا أسوارها ودخلوها وأخذوا سنان الدين ياقوت أسيراً، وكان حريمه في القلعة، فأخذوها ثانى يوم وقتلوا الجند، واستبقوا ارباب الصنائع وذوى المهن، وداسوا الأطفال بحوافر الخيل، وغنموا وسبوا، وعادوا وقتلوا ياقوت العلائى وولده، واتفقت وفاة جُرماغون أحد المقدمين على سرمارى.
المرة الثانية: وهى التي دخل فيها بيجُو ومن معه إلى الروم ومعه خُجانِوين، فوصلوا إلى أقشهرزنجان نزلوا بالصحراء التى هناك، فجمع السلطان غياث الدين جيشه وسار للقائهم، وأخذ حريمه معه ليقاتل قتال الحريم، ونزلواعلى كوسا داغ وهو الجبل الأقرع، وذلك الجبل مطل على الوطأة التي نزل بها بيجو وعساكره، ثم أن السلطان غياث الدين ضرب مشورةً مع أكابر أمرائه وذوى آرائه في لقاء التتار وقتالهم، فتكلم كل بما عنده، ومنهم من هوَّل أمره فغضب أخو كُرجى خاتون زوجة السلطان، وقال: هؤلاء قد هابوا التتار وجبُنُوا عنهم وفرقوا منهم، فالسطان يعطينى الكرج والفرنج الذى في جيشه وأنا ألقاهم ولو كانوا من عساهم يكونون؟ فغاظ الأمراء كلامه، وتقدم واحد منهم من أعيانهم، فألزم نفسه الأيمان المغلظة أنه لا بد أن يلاقى التتار بنفسه، ومن يضمه تقدمته ولا ينتظر أحداً، فركب ومعه نحو من عشرين ألف فارس وركب السلطان على الإثر، وركبت عساكره وضربت كوساته، ونزل المقدم المتقدم إلى الصحراء قاصداً الهجوم على التتار، فوجد قدامه واد قد قطعهُ السيل فلم يستطع أن يقطعه، فسار مع لحف الجبل يطلب طريقاً يمكنه التوجه منه نحو التتار، فركب التتار وقصدوه ودنوا منه وحاذوه، وأرسلوا إليه شهاباً كالشهب المحرقة، فأهلكوا أكثر خيله وخيل من معه، وكان السهم لا يقع إلا في الفارس أو الفرس. هذا والعساكر السلطانية قد تبعته قافية خطوه، وحاذية فيمافعل حذوه، فلما تقدموا ندموا حين أقدموا، ورأوا عساكر التتار تحاذى الجبل فسقط في أيديهم وأيقنوا أن السكرة عليهم، فطلب كل منهم لنفسه النجاة وفر نحو ملجئه.