وكان أعظم ما جرى في مصر بقصر الشمع، والكنيسه المعلقة، وعدمت أموال كثيرة للنصارى ولليهود أيضا، فلما نادى السلطان كفوا عن ذلك، وجمعوا جماعة من الكتاب الذين يكتبون في دواوين الأمراء وديوان السلطان ودخل بهم النائب إلى السلطان، فأوقفهم من بعيد، فرسم للشجاعي وأمير جندار أن ينزلا سوق الخيل ويحفرا حفيرة كبيرة ويرميانهم فيها، ثم يرمون عليهم الحطب والنار، فأخذوهم وخرجوا، وتقدم النائب وقال يا خوند: هؤلاء أصحاب دواوين يحفظون الأموال والخراج، وليس للسلطان غنى عنهم. فقال أنا ما أريد أن يكون في دولتي ديوان نصراني، وما زال بيدرا يسأله إلى أن اتفق الحال على أن من أسلم منهم يستخدم ومن لا يسلم يضرب عنقه، وخرج نائب السلطان فأحضر الجميع بين يديه، وكان فيهم رجل يعرف بالمكين ابن السقاعي، ولما كان بيدرا وزيرا كان يستظرف كلامه ويمزح معه لأنه كان ظريفا صاحب هزل وجواب خاطر في وقته، فأول كلام بيدرا كان معه وقال يا جماعة: وصلت قدرتي مع السلطان في أمركم أن من أسلم خلع عليه ويباشر وظيفته ومن أبى قتل، فابتدره المكين بالجواب وقال يا خوند: أي قواد يختار القتل على هذا الدين الخرعى، والله دين نقتل عليه يروح لا كتب الله عليه سلامه، قولوا لنا الدين الذي تختارونه نروح إليه، فعلته الضحك، وكل من كان حاضرا، فقال بيدرا: ويلك نحن نختار غير دين الإسلام فقال يا خوند ما نعرف. قولوا: نحن نتبعكم، فأحضروا الشهود واستنطقهم بالشهادة، وكتبوا، ودخل بهم إلى السلطان، فألبسهم التشاريف، وجعلوا في مجلس الوزير.
واستفتح بعض المدراء، فناول المكين ورقة، وقال: يا مولانا القاضي، اكتب على هذه الورقة والوزير يسمعه: وقال يا ابني: ما كان لنا هذا القضاء في خلد، فتبسم الوزير فبقوا إلى العصر، فحضر الحاجب من جهة النائب وعرف الوزير أن الجماعة يقومون كلهم إلى مجلس النائب، ويريد أن يجدد إسلامهم عند القضاة، فرسم بقيامهم، فقال المكين: يا مولانا الصاحب صارت هذه عادة كل يوم نقولها، فتبسم وقال: نعم، نقولها كل يوم خمس مرات قبل الصلاة وبعدها، فلما نهضوا كان القاضي تاج الدين بن السفلورى جالسا مع الوزير، فقال يا مولانا تاج الدين: ما تقول في إسلام هؤلاء الجماعة؟ قال: أقول إن الذليل منهم صار عزيزا، والعزيز من المسلمين صار ذليلا لهم، فإنه كان يمنعهم من ظلم الناس ومن التكبر عليهم كونهم نصارى، فالآن يقولون: نحن مسلمون، فيتسلطون عليهم والله يتولى سرائرهم.
وكان من جملة من أسلم منهم: أمين الملك بن غنام، وابن السقاعى، وابن لفيقه كاتب ديوان النائب.
وكتب بعضهم لبيدرا بيتين وسيرهما إليه، وهما لابن البغدادي:
اسلم الكافرون بالسيف قهرا ... وإذا ما خلوا فهم مجرمونا
أسلموا من رواح مال وروح ... فهم سالمون ولا مسلمونا
وقال صاحب التاريخ ولمؤلفه:
قل للمليك الأشرف ما تنتظر ... يا ناصر الدين يا منتصر
قد أمكن الله من أعدائه ... في يوم بؤسٍ نحسه مستمر
فقلد السيف لأرقابهم ... واجعله على الكافر يوماً عسر
فلا يغرنك إسلامهم ... فكل من أسلم كذابٌ أشر
وفيها: اشتهى السلطان أن يتفرج على لعب الشوانى في البحر، فطلب الوزير وقال له ذلك، فنزل إلى الصناعة وطلب الرئيس، وجهز كل ما يحتاج إليه من العمل، وأقاموا أياما قليلة وجهزوا نحوا من ستين شينا، وحملت فيها سائر العدد من السلاح، ورتبوا في كل مركب مماليكا ملبسه مقاتلة ومماليكا زرادين.