وفيها: ركب السلطان ونزل إلى الميدان ولعب بالأكرة، فضرب الأكرة فوقعت على وجه بيدرا، فقطع حاجبه وجرى الدم وتشوش السلطان لأجله، فقصد أن يبطل لعبه، فحلف عليه بيدرا أن لا يبطل.

ونظم شرف الدين ابن الوحيد في ذلك أبياتا منها قوله:

يا بدر دين الله يا مشبها ... سميه في كل حسن بهر

مملوكك الجوكان تأثيره ... في وجه مولانا أتى واعتذر

وقال قصدي أن أرى وجهه ... كوجه بدر التم فيه اثر

وفيها: كانت واقعة أهل الذمة وإسلام كثير منهم، وكانوا في الدولة المنصورية في غاية الذلة والإهانة خصوصا في أيام الشجاعي الذي كان له حرمة عظيمة على العامة والكتاب وأرباب الأقلام حتى أنه كان أكبر من فيهم يكون راكب حمار وزناره في وسطه، ولا يجسر يتحدث مع مسلم وهو راكب، ولا يمكن أن يرى عليه فرجية مصقولة ولا بيضاء إلا القليل منهم مع ذلة ومسكنة، فلما تغيرت الدولة وملك الأشرف وحدثت الأمور وانتشأت الخاصكية وكبرت نفوسهم، كبر قدر النصارى أيضا بسبب بعض الخاصكية الذين يحامونهم، وكان من جملة الخاصكية مملوك يعرف بعين الغزال، وكان صاحب صورة جميلة جدا، وكانت له منزلة ومكانة عند السلطان، واتفق أن بعض النصارى خدم عنده، واتفق أنه لقى يوما عند زين العابدين سمسارا باع قماشا لتاجر، وعلى التاجر دين للديوان، فلما رآه السمسار نزل وباس رجله، وشرع النصراني يسبه ويشتمه، والرجل يعتذر إليه فلا يقبل منه، ثم صاح لغلامه وقال له: انزل وكتف هذا الفاعل الصانع، فنزل إليه وكتفه، فاجتمعت عليه خلق وما وصل إلى الصليبة حتى اجتمع عليه خلق كثير، وهم يسألون النصراني أن يطلقه وهو يأبى عليهم، فقاموا عليه وأرموه من حماره وأطلقوا الرجل، وكان قد قرب إلى اصطبل أستاذه، فجرى غلامه وأتى إلى الاصطبل وأخبر أهلها بما جرى، فخرجت الغلمان والوشاقية وخلصوا النصراني منهم، والناس يصيحون ما يحل ما يحل حتى وصلت صيحتهم وغلبتهم إلى تحت القلعة، وصاحوا نصر الله السلطان، فسمع السلطان بذلك، فأرسل جماعة من الوشاقية ليكشفوا الخبر، فعرفوهم بذلك، فطلب عين الغزال فقال: ويلك تسلط غلمانك على المسلمين لأجل كاتب نصراني، فخشى عين الغزال فقال: يا خوند أنا في خدمة السلطان ها هنا ما أعرف هذه القضية، فغضب السلطان وطلب الوشاقية وقال: انزلوا هاتوا كل من في اصطبل الأمير، وقولوا للعوام: رسم لكم السلطان أن أي نصراني رأيتموه أحضروه إلي، وطلب الشجاعي والنائب، وقال: لا تخلوا نصرانيا حتى تحضرون به إلي، وقرر معهم أن ينادى أن أميرا أو غيره لا يستخدم نصرانيا ولا يهوديا إلا إذا خرج عن دينه وتمسك بالإسلام، وأمر لسائر الأمراء أن كل من عنده كاتب نصراني يعرض عليه الإسلام، فإن أبى يضرب عنقه وإن أسلم يستخدمه، ورسم للنائب أن يعرض سائر المباشرين في ديوان السلطان ويفعل فيهم ما رسم به من الذي ذكرناه، فهربت جماعة كثيرة من الكتاب، وسمعت العوام بذلك، فتتبعوا آثارهم وهجموا عليهم في بيوتهم، وأخرجوا حريمهم مسبيات، وقتلوا جماعة منهم بأيديهم، وبلغ ذلك إلى السلطان، فأمر الوالي أن ينادى أن أي من نهب بيت نصراني يشنق، ومسكوا جماعة من الحرافيش فأشهروهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015