وكان بيسرى قد علم أن السلطان يكرمه بهذا، وكان قد أعد له سرجا يليق لرمى القبق، وهو السرج الذي يكون قربوسه الوراني وطئة حتى إذا مال على قفاه لا يؤلمه ذلك، فركب ذلك السرج، واستعمل القبق وهو نائم على علاق قفاه إلى أن وصل إلى مكان الرمي رماه فأصابه، ثم عاد ورماه على يساره فأصابه، ثم دخل بعده أمير سلاح، ثم أمير بعد أمير، ومقدم بعد مقدم، وجندي بعد جندي.

وكان ذلك اليوم يوما عظيما، ما عهد يوم قبله مثل ذلك، ثم إن السلطان رجع وهو مسرور بذلك الدهليز، ودارت على الأمراء السقاة بأواني الذهب والفضة والبلور، وشرع الجند إلى الأحواض التي نصبت للشرب، وكانت قدر مائة حوض، وأقام السلطان في ذلك يومين والثالث، وفي اليوم الثالث قال السلطان لبيسرى: بقى هذا اليوم، ادخل وارم. قال: يا خوند، خل عنا الشيوخ، وخلنا نتفرج اليوم على هؤلاء الشبان الذين كل واحد منهم أحسن من الحور في الجنة، فتبسم السلطان، وأشار إلى خاصكيته أن يتقدموا ويرموا القبق، فدخل طغج، وعين الغزال، وأمير عمر، وكيكلدى وقشتمر العجمى، وبرلغى وأعناق الحسامى، وبكتوت الصهيوني، ونحو من خمسين أميرا من الخاصكية، وعليهم تتريات حرير أطلس بطرازات زر كشى، وكلوتات زركشى، وحوائص الذهب، ودخل كل واحد منهم مداخل بحسب الجانبين، وأنار بواضح سناه على النيرين، ورمى وهو يهز عطفيه فأصاب الغرض قبل الإيماء إليه، وتخيل كل منهم على ذلك بالجوزاء، وهو راكب، وحنايا قسيهم من حنايا تلك الحواجب.

قال صاحب النزهة: ولمؤلفه:

عوذة البارى رب الفلق ... لما تلفت عند رمي القبق

ولاح من واضحة بهجته ... ما بين عينيه وفرق فرق

فقلت للناظر من دهشتي ... انظر إلى صحة هذا القبق

وكان السلطان قد رسم بحضور سائر الملاهي في ذلك اليوم، وكان يوما عظيما، ولما رجع. . . . . .، لما صفا إليه زمانه، أبدل الله ذلك الفرح بالترح، والنجاح بالإيجاح، وذلك فقد أظلم الجو في ذلك الوقت، وجاءت ريح عاصف، وريح. . . . . . طبقت الأرض، فقلعت سائر الخيام، وأرمت الدهليز وذرت الغبار والرمل في وجوه الناس حتى كان الرجل لا يعرف رفيقه إلى جنيبه، واختلطت الأجناد بالأمراء، ووقع النهب في الخيام والسوق، وطلب السلطان القلعة والأمراء معه، واختلفت عليهم الطرق، وما دخل السلطان من باب الاصطبل إلا بالجهد العظيم، وهتكت حريم كثيرة، ونهبت أشياء غير عديدة.

وكان يوما كأنه من أيام البعث والنشور. وكأن الناس لم يروا شيئا من السرور، واشتغل كل أحد بنفسه، وبقى الحال على هذه الهيئة مقدار ساعة فلكية، ثم سكنت الرياح، وأشرقت الشمس، وحمد الناس الله تعالى وشكروه على لطفه.

ثم لما أصبح السلطان أمر بإحضار سائر الملاهي لأجل ختان أخيه وابن أخيه، وعمل المهم في القاعة التي عمرها وسماها الأشرفية باسمه، وعمل مهما لم يعهد مثله في سائر الدول، وحضر الأمراء، ورسم السلطان للخاصكية أن تدخل واحد بعد واحد فيرقص بمفرده، وهو واقف يتفرج عليهم والخازندارية واقفون بين يديه بأكياس الذهب، وهو ينثر الذهب على كل واحد بمفرده، ولما فرغ الختان رسم لكل أمير بفرس مسروج وتشريف، ورسم للبيسري وأمير سلاح كل واحد بألف دينار.

وطلب الأمير طقجى، وكان عنده أحظى الخاصكية، فكتب بخطه رسم السلطان خليل بن قلاون أن ينعم على الأمير سيف الدين طقجى الأشرفي من الخزانة الشريفة بمائة ألف دينار، وعلامته، وكتابته بقلم غليظ، فأخذ طقجى الورقة عنده، وكان السلطان رسم عند الختان أن يرمى كل مقدم ألف في الطشت مائة دينار، والطبلخاناة خمسين دينارا، ووكل الوزير بأمر الطشت وأمر للخازندارية أن يحفظوا الطشت، فلما فرغوا أمر السلطان أن يكون النصف لأصحاب الملاهي والنصف للمزين، فعرفوا الوزير بذلك، فأخذ الطشت عنده وأرضى هؤلاء بالبعض، ووصاهم أن لا يظهروا ذلك للسلطان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015