وفيها: سير السلطان الأمير عز الدين الأفرم إلى قلعة الشوبك ليخربها، فتوجه إليها وهدمها، وكان ذلك في غاية ما يكون من الخطأ وسوء التدبير، وحكى أنه وجد بقلعتها أربعين ألف ختمة بخطوط منسوبة مذهبة، وربعات كثيرة كذلك، وكتبا عظيمة مدخرة من عهد بني أيوب، وزردخانة عظيمة القدر، ووجد في جملة ذلك سيفا عرضه شبر وأربعة أصابع مفتوحه وطوله أربعة أذرع.

قيل: إنه سيف خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقيل: هو صمصامة سيف عمرو بن معدى كرب.

وذكر في نزهة الناظر: أن السلطان لما استقر بمصر بعد عوده من الشام قبض على الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحي أمير جندار، وكان سبب ذلك أنه حصل للسلطان حنق بسبب عرب الشوبك وأنهم يقيمون فيها ويطلعون قلعتها، فكتب بذلك نائب الكرك إليه، فطلب الأفرم المذكور ورسم له أن يركب وينزل على قلعة الشوبك ويخربها. فقال له الأفرم: يا خوند كيف تخرب مثل هذه القلعة وهي قلعة عامرة آهلة، وهي حصن من حصون المسلمين، فنظر إليه نظر المغضب وقال: أنتم نفوسكم كبار وما خرج من رؤوسكم دعوى البحرية، وتزعمون أنكم أصحاب رأي ولا يجئ رأيكم إلا على رؤوسكم، ثم رسم بأخذ سيفه وتقييده في وقته، ورسم للوزير بالحوطة على موجوده بمصر والشام وكان له موجود عظيم جدا، وتمكن الوزير من ماله.

قال صاحب النزهة: فأخبرني ولده أسد الدين أن من جملة ما حمل لبيت المال من جهته مائة ألف وستون ألف دينار، وستة وتسعون ألف أردب غلة، وكتب إلى دمشق بالحوطة على ما كان له فيها.

وقبض أيضا على الأمير عز الدين أزدمر العلائي أحد الأمراء بدمشق، وكان له موجود كثير، وأحضر إلى مصر.

وفيها أمر السلطان الوزير أن يكتب إلى المباشرين بدمشق لاستعمال مائة شمعدان مكفت؛ ويكتب اسمه عليها، وخمسين شمعدان ذهب، وخمسين فضة، ومائة وخمسين سرجا زركشا، ومثلها مخيشا، ويجهزون ألف شمعة، وأشياء كثيرة من هذا الصنف.

وكان هذا لأجل المهم بسبب زوجته بنت نكيه، وكانت حاملا، وقرب ميلادها.

ثم في شهر ذي الحجة رسم السلطان للعساكر بالتأهب للعرض والقيام من العدد، والتجمل بالنافلة والفرض، فاهتموا بالعدد الجميلة من الجواشن والقرقلات والخود والبركستوانات والتراكشى والكاسات وغير ذلك من العدد الفاخرة.

وكان الباعث له على ذلك قرب ميلاد زوجته، فاهتم بذلك عند قرب النفاس، مؤملا أن يكون المولود ذكرا يحيى به ذكره، ويشرح له صدره، ويرث الملك من بعده، وتجمل العساكر تجملا لم ير مثله، وغالوا في أثمان العدد، حتى بلغ ثمن الجوشن الذي قيمته مائة درهم إلى ألف درهم وفوق ذلك.

وفي اليوم الثالث من لعب القبق هبت رياح عاصفة، ونار من العجاج ما يملأ الفجاج، فصار النهار كالليل، وكان السلطان قد أمر باتخاذ الأطعمة، والإكثار من أنواعها، وتجهيز القمز والفواكه، وأصناف الحلوى، فكان المولود بنتا فلم يتم له ما رام، ولا انشرح لهذا الاهتمام.

وذكر في نزهة الناظر أن السلطان لما جاء له بنت خشى أن يسأل عن ما كان قد استهم فيه، فأظهر أنه يريد أن يطهر أخاه محمدا وابن أخيه مظفر الدين موسى بن الملك الصالح، ورسم لنقيب الجيش والحجاب أن يعرفوا الأمراء والعساكر أن يلبسوا عدد الحرب هم وخيولهم، ويجتمع الجميع بالميدان الأسود خارج باب النصر، فأخذت الأمراء في الاهتمام لذلك.

وبعد ثلاثة أيام خرجت السوقة ونصبوا سائر ما يحتاجون إليه من الصواوين والخيام والأخصاص، ونقلوا إليها سائر الأطعمة والنقل، وعملوا سوقا عظيما.

ونزل السلطان في موكب عظيم، ولم يبق أحد من الناس من أكابر البيوت وغيرهم إلا وخرج يمضي ذلك اليوم، وهم في الزينة المذكورة من العدد.

وفي اليوم الثاني رسم السلطان للعسكر أن يبدأ القبق، وعرف الحجاب أن أحدا لا يرد لا من الجند، ولا من مماليك الأمراء، وكل من أراد الرمي يدخل ويرمي.

وطلب السلطان في ذلك الوقت الأمير بدر الدين بيسرى، والأمير سلاح، وقال أنتم أكابر الأمراء ومشايخ هذا الحال، فاشتهى أن تبدأوا وترموا القبق، حتى أبصر همة الشيوخ. فقال البيسرى: يا خوند ينبغي أن نتفرج هذا اليوم على هؤلاء الشبان الملاح إيش بقى فينا ونحن شيوخ، وقد ذهبت علينا. فقال: وحياتي عليك أن لا بد من أن ترمى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015