قال صاحب النزهة: وسألت علاء الدين أمير جاندارية والركن الطقجقى بعد مدة من انقضاء الدولة الأشرفية عما غرمه بيدرا على تلك الضيافة، فأخبراني أن مجموع ما غرمه في الدهليز الأطلس والخركاة والتقادم للأمراء والسلطان نحو مائة وخمسين ألف دينار.

وفيها أرسل السلطان وأحضر الملك المظفر صاحب حماة، وعمه الملك الأفضل على البريد إلى الديار المصرية، فتوجها من حماة، وعندهما خوف عظيم بسبب طلبهما على البريد، ووصلا إلى قلعة الجبل في اليوم الثامن من خروجهما، وحال وصولهما شملتهما الصدقات السلطانية، وأدخلا الحمام بقلعة الجبل فأنعم عليهما بملبوس يليق بهما، وأقاما في الخدمة أياما.

ثم خرج السلطان على الهجن إلى الكرك، فسار في الطريق البعدية من جهة البرية، وسارت العساكر على الجادة إلى دمشق، وأركب صاحب حماة وعمه على الهجن صحبته، لأنهما حضرا إلى مصر على البريد ولم يكن معهما خيل ولا غلمان، وسارا في خدمته في الكرك، ولاقتهما تقادمهما إلى بركة زيزا، فقدماها السلطان.

ولما وصل السلطان إلى الكرك والشوبك أعطى الأمير جمال الدين نائبه بها سبع بلاد من أعمالها، ثم سار إلى دمشق في جمادى الآخرة، فالتقيه العساكر فيها، ثم سار من دمشق في ثاني رجب نحو حمص وسلمية ومعه أكثر الجيش، وأخذ وجه البرية متصيدا، ووصل إلى القرقليس وهو جفار في طرف بلد حمص من الشرق، ونزل عليه، وحضر إلى خدمته هناك مهنى بن عيسى أمير العرب، وأخواه محمد وفضل، وولده موسى بن مهنى، فقبض السلطان على الجميع وأرسلهم إلى مصر، فحبسوا في قلعة الجبل؛ ووصل السلطان إلى قصير، وأعطى صاحب حماة الدستور، فتوجه إلى بلده.

وعاد السلطان إلى مصر، ووصل إليها في الثامن والعشرين من رجب بعد أن جرد عسكرا ليقيم بحمص صحبة ثلاثة من المقدمين وهم: الأمير بدر الدين أمير سلاح، والأمير شمس الدين كرتيه، والأمير سيف الدين بلبان الحمصي.

قال بيبرس في تاريخه: وكنت من مضافى الأمير بدر الدين أمير سلاح، فأقمنا بحمص ثلاثة أشهر.

وقال النويري في تاريخه: ثم رسم السلطان للمجردين هناك، وصاحب حماة وعمه بالمسير إلى حلب والمقام بها لما في ذلك من إرهاب العدو، فسارت العساكر إليها، وخرج المظفر صاحب حماة وعمه الأفضل معهم من حماة يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان، ودخلوا حلب يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شعبان وأقاموا بها.

وذكر في نزهة الناظر سبب مسك مهنى وإخوته: وذلك أن السلطان لما ورد إلى كرك تلقى هؤلاء السلطان من غزة وقدموا له خيلا وهجنا، ومشوا في صحبة السلطان، وكانت سائر العرب في ذلك الوقت لا يلبسون إلا طراطير حمر مترفعة عن العمائم ولهم عذبات مطولة، ونزل السلطان على نهر يجري، فلما دخلت الأمراء إلى الخدمة وحضر مهنى وإخوته أيضا والأمير برغشة وأخوه مظفر صحبة مهنى، اتفق للسلطان انشراح في ذلك الوقت، فشرع يمزح مع العرب، فالتفت إلى مهنى وقال: يا مهنى أريد أن أقلع هذه الطراطير من رءوسكم وألبسكم كلوتات مثل العسكر، فنظر مهنى إليه نظر المغضب من قوله، وقال يا خوند: تريد أن تجعلنا مساخر ومضحكة للعرب، معاذ الله من ذلك، فتغير السلطان من قوله وسكت على غيظ منه، ثم قاموا وتفرقوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015