فلما تحدث الوزير في الأعمال لتحصيل الأموال وتقرير التقادم من الخيل والجمال، وجد بيدرا عدة من البلاد محمية باسمه، وله بها كثير من الحواصل والغلال، مع شغور الشون السلطانية، ووجد نوابه الذين بكل جهة يدافعون عنها، فأوحى إلى السلطان من أمره ما غيره عليه، وبلغ ذلك بيدرا فحصل في قلبه تغير.

ولما قضى السلطان الوطر من الصيد، ووصل إلى قوص، عاد إلى قلعته، واهتم له الأمير بيدرا بضيافته عند عوده، وضرب له بالعدوية خيمة من الأطلس الأحمر بأطناب من الإبريسم الملون، وعمد صندلية محلاة بفضة مطلية منقوشة بأنواع النقوش، مرقشة بإبداع الرقوش، مفروشة ببسط من الحرير، مصورة بغرائب التصوير، وعمل له ضيافة بالغ فيها ليتلافى سعاية ابن السلعوس إن أمكن تلافيها. فنزل السلطان في الخيمة قدر ساعة، ثم ركب إلى القلعة، ولم يظهر بشاشة لقبولها، ولا استحسانا لها.

وجاء في نزهة الناظر: وفي هذه السفرة حط الوزير على بيدرا نائب السلطان، وتمكن من الحديث فيه والتهمة له لأجل....... واتهامه هو بالسلطان، وكان في نفسه من بيدرا أمور كثيرة، فسعى الوزير في طول الطريق يجهز...... كفاية، وإذا استعجزه السلطان يقول: يا خوند، ما كل ما يعلم يقال،...... البلاد العامرة لبيدرا، والذين فيها نوابه، لا يمكن منهم الوالي ولا غيره، والبلاد الخراب كلها للسلطان، وما فيها شيء، وأنه يشترى كل شيء بالدراهم من بلاد بيدرا، لكونها عامرة، وبقى كذلك طول الطريق، وإذا خرج من عند السلطان، يقول للأمراء: يا مسلمين الأمير بيدرا يأخذ بلادي وما أجد الإقامات إلا من بلاد الأجناد، وهو مالك البلاد وأنا أشتري الإقامات.

وكل من كان من الأمراء والخاصكية من جهة بيدرا يكتبون إليه بذلك، ويعرفونه، فانحصر بيدرا لذلك انحصارا شديدا، فسير بعد ذلك إلى سائر بلاده بعمل الإقامات إلى السلطان والأمراء، ومع هذا كله أضمر له السلطان السوء.

وكان قراسنقر وبكتمر السلحدار وبعض المماليك من جهة بيدرا، فسيروا إليه، وقالوا له: تحيل في دفع ما أضمر له السلطان في خاطره مما قاله الوزير، وأعمل ضيافة هائلة عند تعدية السلطان وقدم له. . . . . . . . . من جميع الأشياء. . . . . . . . . وعلى هذا شرع في تجهيز هذه الأشياء، وكتب إليهم، وسألهم أن يحسنوا بالقضية مع السلطان ويعرفوه أنه يريد أن يعمل ضيافة في العدوية عند تعدية السلطان، ويقدم له تقادم جليلة، فقالوا ذلك للسلطان فلم يلتفت إليهم، فلم يزالوا به إلى أن أرضوه بذلك، ثم استشار الأمراء الكبار في ذلك، فقالوا له: بيدرا مملوكك على كل حال، ولا بأس أن تجبر خاطره.

فأرسلوا بذلك يعرفون بيدرا، فنهض بيدرا عندما قرب نزول السلطان في العدوية، وضرب خيمة أطلس - على ما ذكرناه -، وعمل في وسط الدهليز كرسيا مصفحا بالذهب، وخلفه خركاة.

وقال صاحب النزهة: ذكر لي زردكاش بيدرا أن الخركاة بمفردها غرم عليها بيدرا ستين ألف دينار.

وشرع في عمل الطعام، فأقام ستة مطابخ، ولم يبق أحد في مصر والقاهرة إلا وقد خرج إلى العدوية، ونصب حول الدهليز أحواضا فيها السكر والليمون، وأحواضا فيها القمز، وأحواضا فيها السويق، فكانت مائة حوض، وأما. . . . . . فأخبر صاحب النزهة أنه ألف وأربعمائة رأس من الغنم، ومائة إكديش، وستون رأسا من البقر.

ولما قرب السلطان نزل بيدرا وقبل الأرض، ثم قام وشد وسطه بمنديل وبسط له عشرة ثياب أطلس، فدخل السلطان الدهليز فدهش وصار يردد بصره فيه ويعجب، وقال: يا نائب السلطان متى عملت هذه، فقال: يا خوند، لي مدة سنة حتى شرعت في أستعد لها بما يسر خاطر السلطان؛ والمملوك يسأل مرة أخدم السلطان. . . . . . وقبل الأرض. . . . . . وكان قد جهز لكل أحد منهم. . . . . . ذهب، وكنبوش زركش، فصار كل أمير يخرج ثم يجئ ويقبل الأرض، فقال السلطان: لقد أفقرتم النائب، ثم بعد ذلك قام السلطان وركب.

وكان الأمير طقجى خصيصا بالسلطان، ومن جهة بيدرا، فقال: يا خوند، كم تقولون بيدرا أخذ الكل، والله لو مسكته ما لقيت نصف ما غرم في هذه المدة، فتبسم السلطان، وقال: صدقت، والله أفقرناه.

ثم بعد أن رحل السلطان نهبت العوام والحرافيش باقي الأطعمة والحلاوات جميعها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015