وكان سبب وقوع لاجين أنه سار وحده إلى أن بلغ أبيات هلال البدوى، وكانت بينهما صحبة أكيدة وصداقة متقدمة من أيام كان لاجين نائبا بالشام، وكان لاجين يحسن إليه كثيرا، فلما رآه هلال وحده استخبره عن أمره، فعرفه الأمر وما اتفق له، فأخذ يطيب خاطره وباتا يتشاوران فيما يفعلانه، فاتفق الرأي أنه يخفيه، وأرسل في الباطن وعرف الشريفي أن لاجين عنده، فركب الشريفي وحضر إلى بيوت هلال، فلما رآه لاجين علم أن هلالا غدر به، فخرج إليه فقبض عليه وحمله إلى السلطان في دمشق، فقصد السلطان قتله بدمشق، فأخره بيدرا إلى المدينة، فأرسله إلى مصر مقيدا في سادس شوال على البريد، وإنما أخره الله يعني لأمر يكون قدره في الأزل.

ذكر تجريد العسكر إلى جبال كسروان

كان السبب في ذلك أن السلطان لما كان نازلا على قلعة الروم كان أهلها ينزلون ويقطعون الطريق على التجار والمسافرين، وهم كانوا دائما عصاة على نائب الشام وغيره، وكان الشجاعي لما كان نائب الشام أراد أن يركب إليهم بالعساكر، فمنعه أمراء الشام لما يعلمون من كثرتهم ومنعتهم، ولضيق الطرقات إليهم بحيث لا يسلكها الفارس، ولما دخل السلطان دمشق عرفوه بأمرهم، فاقتضى رأيه أن يجرد عسكرا صحبة بيدرا، وكان بيدرا قد وقف على حقيقة هؤلاء القوم، فكره الذهاب إليهم، فلما خاطبه السلطان بذلك شرع في الاستعفاء، فخرج السلطان من ذلك وصاح في وجهه وأخرجه من بين يديه وألزم نفسه أنه متى ما لم يسافر قبض عليه.

فاضطر بيدرا عند ذلك إلى خروجه، فخرج ومعه عسكر نحوا من عشرة أمراء وثلاثة آلاف فارس، فساروا إلى أن وصلوا إلى جبال كسروان ورتبوا أمورهم، فعلم بهم الجبلية فخرجوا إليهم في جمع عظيم، وكانوا كفرة روافض ولهم شوكة كبيرة، وجمعهم بمقدار عشرة آلاف نفر، وكلهم يرمون على القسى القوية، ومشيهم في تلك الجبال أسرع من مشى الخيل لأنهم تربوا فيها وألفوا بها، فاستقبلوا عسكر السلطان بالرمي والقتال، ثم رجعوا عن ذلك كالمنكسرين، وكان ذلك حيلة منهم حتى استجروا العسكر إلى المواضع الصعبة، ثم يفعلون فيهم ما يشاءون، فلما حصلوا في تلك المواضع رجعوا عليهم ورموهم بالأحجار والقسى ونالوا منهم، ثم إن عسكر السلطان قاتلوهم قتالا عظيما على أن يجدوا طريقا فيرجعون عنهم، وكانوا قد ملكوا الطريق عليهم، ورأى العسكر شدة عظيمة إلى أن رجعوا إلى مكان وطلعوا منه، وقتل في ذلك اليوم تحت بيدرا ثلاث رؤوس من الخيل، وكذلك سائر الأمراء، فلما نزلوا إلى المخيم، افتقدوا العسكر، فوجدوا قد جرحت منهم جماعة وأسرت جماعة، فتحيروا ولا يدرون ماذا يفعلون.

وكانت الجبلية يعتقدون أن هذه العسكر هم عسكر الشام، فلما سألوهم قالوا: إنه نائب السلطان الأمير بيدرا، ولما علموا بذلك ندموا على فعلهم، وأطلقوا الأسرى، وسألوهم أن يتوسطوا في إصلاح أمرهم مع السلطان خشية على أنفسهم، فهؤلاء عرفوا الأمراء، فأشارت الأمراء على بيدرا بإصلاح الأمور وإلا منعت العسكر، واتفق الحال على أن الجبلية أرسلوا من استحلف بيدرا والأمراء على أنهم لا يؤذونهم ولا يخونوهم، فانصلح الأمر بينهم، ثم نزلوا بالإقامات وأحضروا هدايا كثيرة، وخلع بيدرا عليهم، وكتب عليهم، بمال يحملونه كل سنة، واستحلفهم للسلطان، ثم رحل عنهم.

ولما وصل إلى دمشق كان الخبر وصل قبله إلى السلطان وكان بين مصدق ومكذب، فلما حضر بيدرا تحقق الخبر، فأخذ بسبه وينكته بالقول، ويقول ويلك مثلك نائب السلطان وتروح إلى أناس فلاحين في جبل وتكسر عسكرى وتنكسر أنت، فأغلظ عليه بالقول كثيرا، وآخر الأمر قال له: اخرج من وجهي وإلا ضربت رقبتك.

فخرج من بين يديه وهو في ألم عظيم، وحصلت له حمى حادة، وأصبح خبره شائعا بضعفه، وركبت إليه الأمراء، فمنع من يدخل إليه، وسير السلطان الحكماء والوزير إليه، وتألم بسببه، وبقى من العشر الأول من رمضان إلى نصفه والسلطان ينزل إليه ويطيب خاطره، ورسم أن يرتب في كل يوم عشرة آلاف درهم يتصدق بها على الفقراء والأيتام والأرامل وأصحاب الزوايا إلى أن عوفى، فلما ركب رسم أن يجمع الفقراء والمشايخ ويعمل لهم وقت في جامع بني أمية؛ فعمل، وكان وقتا عظيما، ولم يبق في دمشق فقير ولا صعلوك إلا أكل من طعام ذلك الوقت والمهم.

ذكر خروج السلطان من دمشق وتوجهه إلى الديار المصرية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015