فأما بدر الدين سلامش فأدركته الوفاة فمات هناك، فصبرته والدته وصيرته في تابوت إلى أن اتفقت عودتها، فأعادته إلى ديار مصر ودفنته بها على ما سنذكره إن شاء الله. وهذا سلامش قد تملك الديار المصرية مدة كما ذكرنا.

وفيها: أفرج السلطان عن الملك العزيز فخر الدين عثمان بن الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل أبي بكر بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب، كان والده صاحب الكرك، وكان الملك العزيز قد اعتقل في الدولة الظاهرية في الرابع عشر من ربيع الأول من سنة تسع وستين وستمائة، فكانت مدة اعتقاله عشرين سنة وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوما، ولما أفرج عنه رتب له راتبا جيدا، ولزم داره، واشتغل بالمطالعة والنسخ، وانقطع عن السعي والخروج إلا للجمعة والحمام.

وفيها: أظهر شخص يسمى ثابت بن منديل شيخ قبيلة مغراوة وكبيرها الشقاق على بني يغمراس بن عبد الواد، وخرج عن طاعتهم، فقصدوه وحصروه، فتحصن بجبال تاججممت وبرشك، فضايقه ابن يغمراس سبع سنين متوالية، فلما ضاق عليه الأمر قصد أبا يعقوب يوسف بن يعقوب المريني مستغيثا به ومستشفعا، فأجاب سؤاله على ما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.

وفيها: انتهت زيادة النيل إلى ستة عشر ذراعا وتسعة عشر إصبعا، وكان نيلا ثابتا روى سائر البلاد والأقاليم.

وفيها: حج بالناس بالركب المصري بدر الدين بكتوت العلائي، ومن الشام الطواشى بدر الدين بدر الصوابي.

؟ ذكر من توفي فيها من الأعيان

الشيخ المسند المعمر الرحلة فخر الدين بن البخاري، وهو أبو الحسن علي ابن أحمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، المعروف بابن البخاري.

ولد في سلخ سنة خمس أو مستهل سنة ست وتسعين وخمسمائة، وتوفى ضحى نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر منها عن خمس وتسعين سنة، ودفن عند والده الشيخ شمس الدين أحمد بن عبد الواحد بسفح جبل قاسيون.

كان رجلا صالحا، عابدا زاهدا، ورعا نسكا، تفرد بروايات كثيرة لطول عمره، وخرجت له مشيخات، وسمع منه الخلق الكثير، والجم الغفير، وكان متصديا لذلك حتى كبر، وأسن وضعف عن الحركة.

وله شعر حسن، منه قوله:

إليك اعتذاري من صلاتي قاعدا ... وعجزي عن سعى إلى الجمعات

وتركي صلاة الفرض في كل مسجد ... تجمع فيه الناس للصلوات

فيا رب لا تمقت صلاتي ونجني ... من النار واصفح لي عن الهفوات

وله:

تكررت السنون علي حتى ... بليت وصرت من سقط المتاع

وقل النفع عندي غير أني ... أعلل بالرواية والسماع

فإن يك خالصا فله جزاء ... وإن يك مالقا فإلى ضياع

الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء أبو محمد الفزاري، الإمام العالم، شيخ الإسلام، شيخ الشافعية في زمانه.

وهو والد الشيخ العلامة شيخ الإسلام برهان الدين، شيخ ابن كثير.

وكان مولد الشيخ تاج الدين في ربيع الأول سنة ثلاثين وستمائة، وتوفى ضحى يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة، بالمدرسة البادرائية بدمشق، وكان مدرسا بها، ودفن عند والده بباب الصغير.

وله مصنفات منها: اختصار الموضوعات لابن الجوزي.

وقد ولى التدريس بعد بالبدرائية، والحلقة، والفتيا بالجامع ولده برهان الدين، فمشى على طريقة والده.

وله نظم حسن، فمن ذلك قوله لما جفل الناس من التتار في سنة ثمان وخمسين وستمائة:

لله أيام جمع الشمل ما برحت ... بها الحوادث حتى أصبحت سمرا

ومبتدا الحزن من تاريخ مسألتي ... عنكم، فلم ألق لا عينا ولا أثرا

يا راحلين قدرتم فالنجاة لكم ... ونحن للعجز لا نستعجز القدرا

وله:

يا كريم الآباء والأجداد ... وسعيد الإصدار والإيراد

كنت سعدا لنا بوعد كريم ... لا تكن في وفائه كسعاد

الطبيب الماهر عز الدين إبراهيم بن محمد بن طرخان السويدي الأنصاري. فاق أهل زمانه في الطب، وله فيه مصنفات منها: كتاب الباهر في الجواهر، وكتاب التذكرة في الطب في ثلاث مجلدات وهي من أحسن كتب الطب، وفيه فوائد جمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015