وفيها: أنعم السلطان على بيدرا نائب السلطنة بالصبيبة، وكان الملك الظاهر لما أخذ هذا الحصن أنعم به على نائبه الأمير بدر الدين بيليك الخزندار، فلما ولى المنصور قصد طرنطاى أن يستمر به كما كان الخازندار، فلم يوافقه المنصور، فلما تسلطن الأشرف رسم لنائبه أن يضيفه إلى إقطاعه، فأضافه وجعل نائب الصبيبة طيبرس الخازن دار الذي تولى نقابة الجيش في دولة لاجين على ما يأتي إن شاء الله.
ونسخة ما كتب من إنشاء القاضي شهاب الدين محمود: الحمد لله الذي أجمل الارتفاع، وأحسن في التخصيص بالأجناس والأنواع، وبعد: فإن خير النعم نعمة تبقى للأعقاب والذراري، وتدوم هدايتها دوام الأنجم الدراري، ومن تكون البحار الزاخرة من موارده، والنجوم الزاهرة من غدائره، فأهون ما عليه أن يجود بكوكب دري، وعقد دري، ولما كان الجناب العالي البدري بدر الدين بيدرا نائب السلطنة المعظمة، أجله الله، له حقوق كثرت وخدمة عظمت، وفتكات ما قابلت وجه عدو إلا وسمت، فكم شكر له نهار حربا، وحمده في الليل محراب، وكم انثنت على سيفه كتيبة، وعلى قلمه كتاب، وإن قد مضى بدر فإن لها من نعته بيدرا وزيادة، ليصح هذا التمليك، ويقول: استحقاق هذا الاسم لو كان بي درى ما قال إلا بيدرا ولم يقل بيليك: وأثبت ذلك بالدواوين المعمورة بمصر والشام، ثابت في صحف مكرمة عن الكرام الكاتبين، وأسجله في بياض النهار وسواد الليل أحكم الحاكمين، والحمد لله رب العالمين.
وفيها: صادر الوزير أبي سلعوس قاضي القضاة تقي الدين بن بنت الأعز وناله منه إخراق وإهانة بالغة، ولم يترك له من مناصبه شيئا، وكان بيده سبعة عشر منصبا منها: القضاء، والخطابة، ونظر الأحباس، ومشيخة الشيوخ، ونظر الخزانة، ومدارس كبار، وأخذ منه نحوا من أربعين ألفا غير المراكب والأشياء الكثيرة، ولم تظهر منه استكانة ولا خضوع، ثم عاد فرضى عنه وولاه تدريس الشافعي.
وفي أوائل رمضان: طلب القاضي بدر الدين بن جماعة من القدس الشريف، وهو حاكم به وخطيب فيه، على البريد إلى ديار مصر، فدخلها في رابع عشرة، فتولى قضاء القضاة عوضا عن تقي الدين بن بنت الأعز بحكم عزله، ومع القضاء خطابة جامع الأزهر، وتدريس الصالحية، ثم استمر خطيبا بالقلعة واستناب في الأزهر بعض الفضلاء.
وفي رجب: درس الشيخ عز الدين الفاروثى بالمدرسة النجيبية، عوضا عن ابن خلكان، ودرس أيضا في هذه السنة بدار الحديث الظاهرية، عوضا عن فخر الدين ابن الكرجى، وكان الفاروئي قد قدم مع الحجاج من مكة إلى الشام.
وفي رجب أيضا: درس نجم الدين بن مكي بالرواحية، عوضا عن ناصر الدين ابن المقدسي.
وفيه: درس الشيخ كمال الدين النجيبي بالمدرسة الدخوارية الطبية.
وفيه: درس الشيخ جلال الدين الخبازي بالخاتونية البرانية، وجمال الدين الباجر بقى بالقليجية، وبرهان الدين الإسكندري بالقوصية التي بالجامع.
وفي ليلة الاثنين رابع ذي القعدة: عملت ختمة عند قبر الملك المنصور، وحضرها القضاة والأمراء والأعيان، ونزل السلطان ومعه الخليفة وقت السحر إليهم، وخطب الخليفة بعد الختمة خطبة بليغة حرض فيها على غزو بلاد العراق واستنقاذها من أيدي التتار.
وقد كان الخليفة قبل ذلك محجبا فرآه الناس جهرة، وركب في الأسواق بعد ذلك.
ولما كان يوم الجمعة رابع شوال: رسم السلطان للخليفة الحاكم بأمر الله أن يخطب هو بنفسه الناس يومئذ، وأن يذكر في خطبته أنه ولى السلطنة للأشرف خليل بن المنصور، فلبس خلعة سوداء وخطب الناس بالخطبة التي كان خطب بها في الدولة الظاهرية، وكانت من إنشاء الشيخ شرف الدين المقدسي، وكان ين الخطبتين أزيد من ثلاثين سنة، وذلك بجامع القلعة.
ثم بعد ذلك استمر ابن جماعة يخطب بالقلعة عند السلطان بعد الجمعة التي خطب فيها الخليفة.
وفيها: توهم السلطان من ولدي الملك الظاهر، وهما: الملك المسعود نجم الدين خضر، والملك العادل بدر الدين سلامش أوهاما أخطرت بباله إبعادهما عن البلاد الإسلامية وإخراجهما من الديار المصرية، فأخرجهما ومعهما والدتهما إلى الإسكندرية صحبة الأمير عز الدين أيبك الموصلي أستاذ الدار السلطانية، فسفرهما في البحر الملح إلى مدينة القسطنطينية، فلما وصلا إليها أحسن إليهما الأشكرى، وأمر بإنزالهما، وأجرى عليهما ما يقوم بهما.