ورسم أيضا أن شيخ كل حارة يطالعه بجميع ما يجري في حانوته من الأمور الجليلة والحقيرة.

ورسم أن لا تلبس امرأة شاشا كبيرا.

وفيها: بعد حضور الأشرف من غزاة عكا تقدم إلى المدرسة المنصورية وزار قبر والده، وسأل عن الوقف الذي أوقفه السلطان الشهيد، فوجده لا يفي لسائر وظائفه، ورغبه الأمراء في زيادة الخير على وقف والده ليكون له ذكر على مرور الأيام ويشارك والده الشهيد في الخير، فعند ذلك قدح زناد فكره، فعين لذلك مما فتحه الله على يديه واستملكه بسيفه من الأعداء، لأن هذا خالص لوجه الله تعالى لا شوب فيه ولا كدر، فعين من بلاد عكا وبلاد صور أماكن، وأضاف لها من أعمال مصر أماكن، وجعل منه للقبة المخصصة لمدفن والده الشهيد، وأضاف إليه أمورا كثيرة.

نسخة ما كتب في ذلك الوقف بعد الخطبة: وقف وحبس وسبل وأبد وتصدق جميع الضياع الأربع التي فتحت بسيفه القاهر من أعمال صفد، وجميع ما ذكره من الأراضي، وشروطها التي تذكر، على مصالح القبة والمدرسة التي أنشأها السلطان المنصور لمادته، وما تحتاج من إليه من الزيت والشمع والمصابيح والبسط وكلف الساقية والأبقار والعدة وغير ذلك، وعين فيها إماما من أهل الدين والصلاح من أي مذهب كان، وخمسين مقرئا، وستة خدام، وعين للخدام ثلاثمائة درهم، ولكل واحد أربعة أرطال خبز، وللناظر في كل شهر ثلاثمائة درهم، وذكر فيه أمورا كثيرة، منها ما فضل من ربع هذا الوقف وما يتبقى فيشترى به خبز ويفرق في ليالي الجمع. ومن شروط هذا البر الولاية عليه للمقر الأشرف العالي وزير دولته ومدبر مملكته وممهد قواعد سلطنته المولوى السيدى الصاحبي، واسطة عقد المسلمين، كافل الدولة وهاديها ناصح الملة ومواليها، بركة الإسلام، حسنة الأيام، صدر المجلس القضائي الفخر بن فخر الدين بن أبي الرجاء التنوخي الشافعي، حرس الله مدته، وأنفذ في الأقطار كلمته، يتولاه بنفسه مدة حياته، ولمن يشاء من نوابه.

فلما قرئ عليه كتاب الوقف أعجبه، ورسم للصاحب أن ينزل إلى المدرسة ويجمع سائر القراء والوعاظ وأرباب الخير من سائر الفقراء والمشايخ والحكام ويختم والده الشهيد، فنزل الوزير وعمل بجميع ذلك، وخلع على سائر أرباب الوظائف مكاتيب بشروط الوقف، ويذكر فيها سائر ما شرطه الواقف، ويعين النظر فيه لنائب السلطنة وللقاضي الشافعي، وتثبت وتجلد بمصر والشام.

ذكر بقية أحكام الأشرف في هذه السنة

وفي رابع رمضان: أفرج السلطان عن حسام الدين لاجين من قلعة صفد، ومعه جماعة أمراء، ورد إقطاعاتهم عليهم، وأحسن إليهم وأكرمهم.

وفي نزهة الناظر: كان السبب لذلك أن الأمير بدر الدين بيدرا النائب كان له مع لاجين نائب الشام صحبة أكيدة، فلما رأى السلطان في رمضان منشرح الصدر مبسوط الأمل ذكر أن عادة السلطان في غرة رمضان أن تكتب له أوراق بأسماء المحبوسين، ويكون في ذلك فرج لمن يريد الله خلاصه، فرسم بأن تكتب الورقة، فأول ما وقف على اسم لاجين فقال: لو سلم من لسانه ما كان جرى عليه شيء، فأخذ بيدرا يعرفه أن الذي نقل عنه كذب عليه، فقال السلطان: أبو خرص قال عنه ما قال وأنت حاضر. فقال بيدرا: أبو خرص، أراد بهذا القول تخليص نفسه من العقوبة، وحكى للسلطان ما قال أبو خرص، فضحك السلطان ورسم بالإفراج عن لاجين، وركن الدين طقصوا، وأبي خرص، والأمير شمس الدين سنقر الطويل، والأمير شمس الدين سنقر المساح البكتوتي. وأبو خرص اسمه سنجر ولقبه علم الدين.

وقال بيبرس في تاريخه: ولما توجه السلطان إلى القاهرة بعد فراغه من غزوته أمر لي بالمسير إلى الكرك، فسألته أن أكون في خدمته وأعود في ركابه، فاعتفيت من العود إلى الكرك، فأجاب لي بالإعفاء من العود إليها، ورتب الأمير جمال الدين أقوش نائبا عن السلطنة فيها، وهو رجل حسن السياسة، ظاهر الرئاسة، وكان الملك المنصور قد اشتراه لولده الأشرف، فتقدم عنده إلى أن صار أستاذ داره قبل سلطنته، ولما استقر بالكرك أحسن السيرة وأظهر المعدلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015