وقال بدر الدين المنبجى البزاز الشاعر في ذلك قصيدة يذكر فيها الفتح، ويمدح السلطان، رحمه الله:
أدركت بالجد أقصى غاية الطلب ... ونلت بالجد أعلى منتهى الرتب
أبا المظفر لا زالت مظفرة ... منك الجيوش على الأعداء بالرعب
فالله جارك أنى سرت من ملك ... وناصر لك من ناء ومقترب
للهول مرتكب للحق منتصر ... للغزو مستجيب للأجر مكتسب
يالسيد الملك المنصور شيد على ... الإسلام وانهد دين الشرك والصلب
يامدرك الغاية القصوى التى عجزت ... عنها الورى برضى في الله أو غضب
أحرزت ما فات قدماً من طرابلس ... جمع الملوك ذوى الارعاب والرّهب
أتغبت نفسك في ذات الآله بها ... فيالها راحة وافت من التعب
فتح يتيه على كل الفتوح به ... عصر غدا منتشى الأعطاف من طرب
فكم لها في حبال الكفر من حقب ... مرّت ولم ترج تطليقا على حقب
أعضت على الذلّ أحيانا وما برزت ... بالوجه طالبة بعدا من الحجب
حتى إذا ما رأت كفؤا لخطبتها ... دعت فلبيتها في حجفل لجب
أصدقتها كل ثبت القلب ترعب من ... إقدامه أسد الآجام من رعب
آساد معركة عقبان مقتلة ... فرسان ملحمة للموت لم تهب
من كل قطر أحاطوا محدقين بها ... كما أحيط على الأحداق بالهدب
لو كنت شاهدهم والشمس طلعتها ... من شقة النقع يوم الزحف في نقب
خلت الأسنة شهبا لحن في غسق ... والمشرفيات برقا شيم في سحب
قل للملوك التي أعيتهم فقضوا ... عمرا وكلّ إليها الدهر ذو أرب
تهدي العرائس من شم الحصون إلى ... من بات يخطبها بالسمر والقضيب
غادرتها بمناجيق نصبن لها ... ورفع أبراجها خفض بمنتصب
فأصبحت ذات أصحاب وكم جنيت ... على مرادك من جار لها جنب
أجربت فيها بحارا نجيعهم ... فكل سابحة سحبا إلى اللبب
لم تطلع الشمس فيها بعد ذاك على ... غير الشلايا من القتلى ولم تغب
لله درّ عواليك التي وصلت ... لك المعالي بحبل غير منقضب
وافتهم في جيوش منك أسد شرى ... بالبيض والبيض واللامات والثلب
خاضت إليهم عباب البحر مسرعة ... كأنها في طريق مهيع لجب
أذقتهم بعد عز مرّ ذلهم ... وبعدا من كؤوس الخوف والوصب
يا رافعا علم الدين الحنيف ومن ... أصاب بالحفض دين الرجس والصلب
أن نلت ما أعجزت صيد الملوك بما ... أدركت من فتحها الميمون عن كتب
فآية السيف كم من آية نسخت ... وطلعة الشمس كم أخفت من الشهب
جزاك ربّك عنه كل صالحة ... وكفّ عنك أكفّ الخلف في النّوب
ودمت ترجى وتخشى ذا علا وسطا ... على العدى وعلى الإسلام ذا حدب
واهتم السلطان بعد ذلك في استحلاب المماليك الترك والتتار إلى هذه الديار قصدا في الاستظهار، وبذل الأموال لمن يحضرهم من التجار في المفاوز والبحار، ورغبّهم بالمسامحات تحقيق الإيراد والإصدار، فحلبوا إليه منهم العدد الكثير، والجمّ الغفير، حتى أنه اقتنى منهم عدة لم يسبقه إلى مثلها أحد من اشكاله، فكانت زهاء ستة آلاف اشتراهم بماله، ورباهم تربية الأولاد، برسم الجهاد، وغزو الأعداء والأضداد، ولم يزل مشفقا عليهم محسنا إليهم، نافلا لهم على التدريج من الجامكيات إلى الإقطاعات، ومن المغاردة إلى إمرة العشرات، ثم إلى الطبلخانات، ومنهم من انتقل إلى تقدمة الألوف وإمرة المئين، وكانوا جميعا عنده كبنيه، بل أعزّ من البنين.
وفيها: فتحت قلاع كثيرة بناحية حلب وكركر وتلك النواحي، وكسرت طائفة من التتار.