مات بتبريز في هذه السنة ومن مصنفاته: المنهاج في أصول الفقه، وهو مشهور وقد شرحه غير واحد، وله منهاج آخر في أصول الدين، ومنهاج آخر في الفروع وشرحه هو، وله شرح التنبيه في أربع مجلدات، وله الغاية القصوى في دراية الفتوى، وشرح المنتخب والكافية في المنطق، وله الطوالع، وشرح المحصول أيضا، وله غير ذلك من التصانيف المفيدة، وقد أوصى القطب الشيرازى أن يدفن إلى جانبه بتبريز، رحمهما الله.
الأمير ركن الدين إباجى الحاجب، توفى هذه السنة، رحمه الله.
فصل فيما وقع من الحوادث في
استهلت هذه السنة، والخليفة هو الحاكم بأمر الله العباسىّ.
وسلطان الديار المصريّة والشاميّة: الملك المنصور قلاون الألفى الصالحىّ. وبقية أصحاب البلاد على حالهم.
منها: بعثة العسكر إلى صهيون وسنقر الأشقر فيها حاكم، فخرجوا أوائل المحرم.
وقال النويرىّ: وكان خروجهم في أواخر السنة الماضية.
وقال بيبرس: وذلك الأسباب التى اتفقت من الأمير شمس الدين سنقر الأشقر. منها: كونه تقاعد عن الحضور إلى حمص المرقب، وتأخر عن المساعدة في الجهاد المفترض عليه.
ومنها: أنه كان يشنّ الغارات بخيله ورجله على البلاد التى حوله، وخرج عما وقع عليه الاتفاق، وأبدى أنواعا من الشقاق، فسير السلطان إليه جيشا صحبة المشار إليه، فتوجه في جماعة من العسكر، فسار ومعه من الأمراء والأكابر، ونزل على صهيون، وأرسل إلى الأمير شمس الدين سنقر الأشقر يعرض عليه تسليم الحصن، والتوجه إلى الديار المصريّة، وعرفه ما وعده السلطان من المواعيد، وما نواه له من المزيد وما قصده من اجتماع الشمل بأنسه، والراحة من القبل والقال الذي يشوب الود بعكسه، فما أجاب ولا أظهر تماسكا بشئ من هذه الأسباب، فعند ذلك جد في محاضرته، وبالغ في مضايقته، ونصب عليه المجانيق، ورماه بالأحجار، وشدّد عليه الحصار، فلما رأى ذلك عاين الهلك، وأيقن أنه متى فتح الحصن عنوة لم يأمن على نفسه، فأرسل يطلب الأمان، ويلتمس تأكيده بالإيمان، فأجابه الأمير حسام الدين إلى ذلك، وحلف له على ما قصده هنالك، وضمن عن السلطان أنه سيعامله بالجميل، ويصله من احسانه بكل جزيل، وانه لايعرض له بسوءفي نفسه وجسده وأهله وولده وحاشيته.
فلما استوثق بتأكيد العهود واطمأن إلى هذه الوعود نزل من صهيون وتسلمها الأمير حسام الدين طرنطاي المنصوري، ورتّب فيها نائبا وواليا ورجّالةً، وانعم على رجالها، ونظر في أحوالها، وسار عنها والأمير شمس الدين سنقر الأشقر صحبته، فرتبت له الإقامات، وأجزلت له الكرامات، ولما وصلوا إلى قريب القلعه ركب السلطان وولداه الصالح والأشرف وولدا الملك الظاهر بين يديه في موكب حفّت به العساكر، واجتمعت فيه الأمراء الأكابر، والصالحية، والنجمية، وسائر الحشداشية، وتلقى السلطان الأمير شمس الدين سنقر المذكور بالبشر والإقبال، وتعانقا، وتكارشا، وتعارضا، تحية المحبين إذا التقيا بعد البين، ثم اطلعه القلعة معه، واسكنه فيها، وحمل اليه من الخلع الفاخرة، والأقمشة الزاهرة، وحوائص الذهب الثمينة، وأنواع التحف النفيسة، وأعطاه إمرة مائة فارس، وساق إليه من الخيل المسومة، والسروج المحلاة، وغير ذلك، ماملأ عينيه، ويده، واتخذه في الحضر جليسا، وفي السفر أنيسا، وفي المهمات مشيرا، وبقي على ذلك بقيّة أيام السلطان، فلما أفضى الملك إلى ولده الأشرف أوقع به على ما نذكره إن شاء الله.
وقال النويرى: ولما نزل سنقر الأشقر من صهيون طائعا إلى خدمة الأمير حسام الدين، وسار حسام الدين وهو معه إلى اللاذقية، وكان فيها برج للأفرنج تحيط به البحر من جميع جهاته، فتوصل حسام الدين طريقا إليه، وحاصره وتسليمه بالأمان وهدمه، ثم سار منه إلى غزة، ثم إلى مصر.
ومنها: أن السلطان بعث جيشا من الأمراء والأجناد وعربان البلاد وغيرهم صحبة الأمير علم الدين سنجر المسرورى متولى القاهرة المعروف بالخياط، والأمير عز الدين أيدمر السيفى أستاذ الدار، والأمير أيتمش السعدى متولى الأعمال الفوصية لغزو النوبة، فتوجهوا ووصلوا دنفلة، وأغاروا عليها وعلى أعمالها، وسهوا ونهبوا وغنموا، وجلبوا شيئا كثيرا من الرقيق.