أعز الله أنصار المقام العالي المولوى السلطاني الملكي المنصوري الناصري، ولا عدمه الإسلام، ولا فقدته السيوف والأقلام، وحماه من ذي داء، وعود عواد، وإلمام الآلام، المملوك يجدد الخدمة التي كان يودّ تجديدها شفاها، ويصف ما عنده من الألم لما ألمّ بمزاجه الكريم، حتى أنه لم يكد يفتح بحديث فاها، ولما وقفنا على كتاب المولى المتضمن بمرض الجسد المحروس، وما انتهى إليه الحال، كادت القلوب تنشق، والنفوس تذوب حزنا، والرجاء من الله أن يتداركه بلطفه، وأن يمنّ بعافيته التى رفع في مسألتها يديه وبسط كفيه، وهو يرجو من كرم الله معاجلة الشفاء، ومداركة العافية الموردة بعد الكدر موردالصفا، وأن الله يفسح في أجل المولى، ويهبه العمر الطويل.
وأما الإشارة الكريمة إلى ما ذكره من حقوق يوجبها الإقرار، وعهود آمنت بدورها من السرار، ونحن نحمد الله، فعندنا تلك العهود ملحوظة، وتلك المودات محفوظة، فالمولى يعيش قرير العين، فما تم إلاّ مايسره من إقامة ولده مقامه، لا يحول ولا يزول، ولا يرى علىذلك ذلّة ولا ذهول، ويكون المولى طيب النفس، مستديم الأنس بصدق العهد القديم، وبكل ما يؤثر من خير مقيم.
ولما وصل الكتاب اجتمع لقراءته الملك الأفضل، والملك المظفر، وعلم الدينن سنجر المعروف بأبي خرص، قرئ عليهم، فتضاعف سروهم بذلك.
وكان الملك المنصور محمد ملكا ذكيا فطنا، محبوب الصورة، وكان له قبول عظيم عند الملوك الترك، وكان حليما إلى الغاية، يتجاوز عما يكره ويكتمه، ولا يفضح قائله، من ذلك أن الملك الظاهر بيبرس قدم مرةً إلى حماة ونزل بالدار المعروفة الآن بدار المبارز، فرفع إليه أهل حماة عدة قصص يشكون فيها على الملك المنصور، فأمر الملك الظاهر دواداره سيف الدين بلبان الرومى أن يجمع القصص ولا يقرأها، ويضعها في منديل ويحملها إلى الملك المنصور حماة، فحملها الدوادار المذكور، وأحضرها إلى الملك المنصور، فقال: إنه والله لم يطلع السلطان يعنى الملك الظاهر على قصة منها، وقد حملها إليك، فتضاعف دعاءالملك المنصور لصدقات الملك الظاهر، وخلع على الدوادار، وأخذ القصص، فقال بعض الجماعة: سوف يرى من تكلم بشئ لا ينبغي ما يلتقى، وتكلموا بمثل ذلك، فأمر الملك المنصور بأحضار نار وحرق تلك القصص، ولم يقف على شيء منها، لئلا يتغير خاطره على رافعها، وله مثل ذلك كثير.
ولما بلغ السلطان الملك المنصور قلاون وفاة الملك المنصور صاحب حماة، قرّر ابنه الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد في ملك حماة على قاعدة والده، وأرسل إليه، وإلى عمه الملك الأفضل، وإلى أولاده التشاريف ومكاتبة إلى الملك المظفر بذلك، ووصلت التشاريف ولبسوها في العشر الأخير من شوال من هذه السنة أعنى سنة ثلاث وثمانين وستمائه.
ونسخة الكتاب الواصل من السلطان: بعد البسملة.
المملوك قلاون.
أعز الله نصرة المقام العالى المولوى السلطانى الملكى المظفرى المنصورى، ونزع عنه لباس البأس، وألبسه حلل السعد المجلوة على أعين الناس، وهو يقدم خدمة بولاء، قد، أنبجست عيونه، وتأسست مبانيه، وتناسبت ظنونه، وحلّت رهونه، وخلت ديونه، وأثمرت غصونه، وزهت أفنانه وفنونه.
ومنها: وقد سيّرنا المجلس السّامى جمال الدين أقوش الموصلى الحاجب وأصحبناه من الملبوس الشريف ما يغيّر به لباس الحزن، وينجلى في مطلعه ضياء وجهه الحسن وتنحلى بذلك غيوم تلك الغموم، وأرسلنا أيضا صحبته ما يلبسه هو وذووه، كما يبدو البدر بين النجوم.
وآخر الكتاب وكتب في العاشر من شوال سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
وكان قد وقع الإتفاق عند موت الملك المنصور على إرسال علم الدين سنجر أبو خرص الحموى لأجل هذا المهم، فلاقى سنجر المذكور جمال الدين الموصلىّ بالخلع في أثناء الطريق، فأتمّ سنجر أبو خرص السير ووصل إلى الأبواب الشريفة السلطانية، فتلقاه السلطان بالقبول، وأعاده بكل ما يجب ويختار.
وقال: نحن واصلون إلى الشام ونفعل مع الملك المظفر فوق ما في نفسه، فعاد علم الدين سنجر أبو خرص إلى حماة ومعه الجواب بنحو ذلك.
السلطان توكدار بن هلاون بن باطو بن جنكرخان الملقب في الإسلام أحمد سلطان، قتل في هذه السنة قتله عمه أرغون كما ذكرناه مفصلا.
السلطان غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قلينج أرسلان صاحب الروم.