فأرسل الأمير عز الدين الأفرم كتابه هذا إلى السلطان طىّ مطالعته، فكتب السلطان إلى شمس الدين سنقر الأشقر من جهته ومن جهة خوشدا شيته يقبحون عليه هذا الفعل الذي يفرّق الكلمة، ويوهن الأمة، وأرسل إليه الكتب صحبة البريد، ثم جهز إليه الأمير سيف الدين بلبان الكريمى العلائى خوشداشه ليسترجعه عما هو عليه، فلم يسمع منه ولا أصغى إليه.

وأما الأمير عز الدين الأفرم فإنه عند ورود كتاب سنقر الأشقر إليه رجع إلى غزة، إذ لم يكن معه جمع يقابل عسكر الشام، فلما وصلها وافى الأمير بدر الدين الأيدمرى عائدا من الشوبك بعد أخذها بمن معه من العسكر، فاجتمع كلاهما على غزة، فجمع سنقر الأشقر العساكر من حلب وحماة وحمص، واستدعى الكبكى من صفد، والعربان من البلاد، وجهز من عسكر الشام جماعةً وقدّم عليهم الأمير قراسنقر المعزى، فساروا إلى غزةِّ، والتقوا مع الأميرين عز الدين الأفرم وبدر الدين الأيدمرى على غزة، فكانت الكسرة على العسكر الشامىّ، فاستظهر العسكر المصرىّ عليهم وأسروا منهم من الأعيان: بدر الدين كنحبك الخوارزمى، بهاء الدين الناصرى، ناصر الدين باشنقرد الناصرى، وبدر الدين بلبك الحلبىّ، وعلم الدين سنجر البدرىّ، وسابق الدين سليمان صاحب صهيون، وسيروا إلى الأبواب السلطانية، فأحسن السلطان إليهم وخلع عليهم ولم يعنفهم على ما جرى منهم.

ولما عاد فلّ عسكر الشام إليه وأخبروه بمن أسر منهم شرع في تجريد الإهتمام، واجتهد في الإستخدام، وخرج بنفسه، وذلك كله في السنة الآتية على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإنما ذكرنا هذا المقدار في هذه السنة ليتم الكلام على نسقه ولا ينقطع.

ذكر بقية الحوادث في هذه السنة

منها: أن فتح الدين بن القيسرانىّ عزل عن الوزارة بدمشق ووليها تقي الدين التوبة التكريتى.

ومنها: أن الملك أبغا بن هلاون ملك قلعتى نايروان واوشلوان من يد الكرج، وكانتا في يد السلطان علاء الدين صاحب الروم، فلما استولت التتار على الممالك الروميّة وضعت الكرج أيديهم عليهما وعلى قلعة بابرت وأعمالها، فاسترجعهم أبغا وسلّمهم إلى النائب بالروم.

ومنها: أن السلطان الملك المنصور رتب علم الدين سنجر الشجاعى أحد مماليكه في شدّ الدواوين، والحديث مع الوزير، واستخراج الأموال، فكوتب من الولاة بشادّ الدولة الشريفة.

ذكر من توفى فيها من الأعيان

عبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر بن حسين، عز الدين أبو محمد الأنصاري المقدسيّ، الواعظ المطيق المغلق، الشاعر الفصيح الذي ينسج على منوال ابن الجوزي وأمثاله.

وقع من موضع مرتفع فتوجع قليلا، ومات يوم الأربعاء الثامن عشر من شوال من هذه السنة بالقاهرة، ودفن بمقابر باب النصر، ولم يبلغ خمسين سنة، وله تصانيف كثيرة منها: تفسير القرآن في مجلدّ، وتلبيس إبليس وغيرهما، وكان له قبول من الناس، وقد تكلم مرة تجاه الكعبة المعظمة وفي الحضرة الشيخ تاج الدين الفزاريّ والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وابن العجيل من اليمن وغيرهم من سادات العبّاد والعلماء، فأجادوا وأفادوا، وخطب فأبلغ، وأحسن نقل هذا المجلس بحروفه الشيخ شرف الدين الفزاري، وأنه كان سنة خمس وسبعين وستمائة.

الشيخ عمر بن مزاحم.

والشيخ أبو الفضل علي بن رضوان العدويّ.

وصاين الدين عبد الله الخوارزمي أحد الصوفية بخانقاة سعيد السعداء.

والشيخ الكبير قدوة المشايخ الروز بهاريّ الكازروني.

والشيخ الصالح مبارك الحبشيّ خادم الشيخ أبي السعود، ماتوا كلهم في هذه السنة.

الأمير نور الدين علي بن عمر بن مجلى الهكاريّ.

ولي نيابة السلطنة بحلب وأعمالها من سنة تسع وخمسين وستمائة إلى هذه السنة، وعزل عنها قبل موته بالأمير علاء الدين أيدغدي الكبكي، وتوفي بعد عزله بأيام قليلة في هذه السنة بحلب ودفن بها، وكان حسن السيرة، كثير التواضع للعلماء، والفقراء، وكان والده الأمير عز الدين من أكابر الأمراء بحلب.

الأمير جمال الدين أقوش الركني المعروف بالبطاح.

أحد أمراء دمشق، كان مجردا مع العسكر في سيس، ولما عاد مرض بحلب ومات بها، ونقل إلى حمص ودفن بمقبرة خالد بن الوليد رضي الله عنه.

فصل فيما وقع من الحوادث في

السنة التاسعة والسبعين بعد الستمائة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015