استهلّت هذه السنة أولها يوم الخميس ثالث أيار والخليفة هو: الحاكم بأمر الله العباسيّ.
وسلطان الديار المصرية: الملك المنصور سيف الدين قلاون الألفى الصالحىّ، وبيده بعض بلاد الشام أيضا.
وأما دمشق وأعمالها فقد أستحوذ عليها الملك الكامل شمس الدين سنقر الأشقر.
وصاحب الكرك: الملك المسعود نجم الدين خضر بن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ.
وصاحب حماة: الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمود.
وفي صفد علاء الدين الكبكى.
وفي حلب: أقوش الشمسى.
وصاحب بلاد الروم: السلطان غياث الدين بن السلطان ركن الدين قليج أرسلان، ولكن لا حكم له سوى الإسم، والحاكم عليها التتار.
وبلاد العراق، وخرسان، والجزيرة، والموصل، وأربل، وأذربيجان، وديار بكر، وأخلاط، وغيرها بأيدي التتار وكبيرهم أبغا بن هلاون.
وصاحب اليمن: الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول.
وصاحب مكة: الشريف نجم الدين بن أبي نمى الحسنى.
ففي مستهلّ هذه السنة ركب سنقر الأشقر الذي تسلطن في دمشق وتقلب بالملك الكامل من القلعة إلى الميدان الأخضر، وبين يديه الأمراء ومقدّمو الحلقة رجّالة يحملون الغاشية وعليهم الخلع والقضاة والأعيان راكبون بالخلع، فسيرّ في الميدان ساعة، ثم رجع إلى القلعة، وجاء إلى خدمته الأمير شرف الدين عيسى بن مهنّا ملك العرب، فقبلّ الأرض بين يديه، وجلس إلى جانبه وهو على السماط، وقام له الكامل، وكذلك جاء إلى خدمته ملك أعراب الحجاز، وأمر الكامل أن تضاف البلاد الحلبيّة إلى ولاية القاضي شمس الدين بن خلكان رحمه الله، وولاّه تدريس الأمينية وانتزعها من يد نجم الدين بن سنيّ الدولة، فدرس بها ابن خلكان.
ولما بلغ السلطان الملك المنصور ذلك أرسل إليه جيشا كثيفا على ما نذكره عن قريب، وقد ذكرنا في هذه السنة الماضية أن المنصور قد أرسل الأمير عز الدين الأقوم في عسكر ليرهب بذلك الجماعة الذين بالكرك، وأن سنقر الأشقر أرسل أيضا طائفة من العسكر وتقاتلوا على غزّة، فانكسر عسكر الشام ورجعوا منهزمين إلى سنقر الأشقر، ثم أن سنقر الأشقر تجهّز وخرج بنفسه.
الأشقر الملقب بالملك الكامل من دمشق بعسكره لقتال العسكر الذين خرجوا من مصر من عند السلطان الملك المنصور قلاون:
ولما تجهّز الكامل خرج من دمشق، ونزل بظاهرها، وكاتب الأمراء الذين بغزة يستميلهم إليه، وأعطى كلا منهم قلعة من القلاع، ووعدهم وعودا تمتدّ إلى الأطماع، وأنفق في العسكر الذين معه.
وأما السلطان الملك المنصور فإنه جردّ من الديار المصريّة الأمير علم الدين سنجر الحلبي، والأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ أمير سلاح، ومعهما عسكر، فوصلا إلى غزة واجتمعا بالأميرين اللذين بغزّة وهما الأمير عز الدين الأفرم والأمير بدر الدين الأيدمريّ، وتكاثر العسكر وتعاضدوا، وسار الأمير علم الدين الحلبيّ بهم طالبا دمشق، فوصل إلى الكسوة ورتّب الأطلاب وتقدّم، فوجد شمس الدين سنقر الأشقر فس عساكر الشام مطلبّا وافقا على الجسورة، فالتقى الجمعان والتحم القتال، فساق الأمير علم الدين الحلبي على سنقر الأشقر، فلما صدمه هزمه، فتوجه طالبا طريق الرحبة ومعه شرف الدين عيسى بن مهنّي وكانت هذه الكسرة في تاسع عشر صفر من هذه السنة.
ونزل الأمير علم الدين الحلبيّ ظاهر دمشق، وتسلمها، وأنزل الأمير علاء الدين كستغدي الشمسي في قلعتها، وكان السلطان الملك المنصور لما فوض نيابة الشام إلى سنقر الأشقر فوض أيضا نيابة قلعة دمشق إلى حسام الدين لاجين السلحدار أحد مماليكه، فلما جلس سنقر الأشقر في السلطنة قبض عليه واعتقله، واعتقل معه الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الحالق، لأنه لم يحلف له فيمن حلف من عسكر الشام، فأفرج عنهما بعد كسرته، واستقر الأمير حسام الدين لاجين المنصوري نائب السلطنة بدمشق، وكتب الأمير علم الدين الحلبي إلى السلطان بالنصر، وأرسل إليه من حصل من الأمراء في الأسر، فعاملهم السلطان بالعفو الجميل، وأعطاهم الحوائص الذهب، والخيول العربية، وتعابي القماش الملوكية حتى لقد حمدوا عاقبة نفاقهم لأنه كان سببا لصلة أرزاقهم، فكانوا كما قيل:
وسعت عواطفك الجناة بأسرهم ... وأفلت كلاّ منهم عثرايه