وتبين للسلطان أنه قرط وأسرف في سوء التدبير، فبادر بإرسال الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير شمس الدين سنقر التكريتى الظاهرىّ أستاذ الدار إلى نحوهم ملتمسا منهم الرجوع، ومتلطفا لهم بأنواع الخشوع والخضوع، وفاوضاهم في ذلك، وبالغا فيه، فما ازداروا إلانفارا وإباءً، وقالوا: لاسبيل إلى المراجعة إليه، وقد انصدعت القلوب، وجرت هذه الخطوب، فعادا الأميران المذكوران إليه، وأعادا القول عليه، فخامره القلق وخالطه الفرق، فقالت والدته: أنا أتوجه بنفسي إليهم لعلهم يرون للمحرم ويرعون ما لهم من الحرم، فأذن لها في ذلك، فحضرت إليهم، ودخلت عليهم وهم على منزلة الكسوة ظاهر دمشق، فسألتهم إخماد الثوائر، واستعطفتهم بكل ما تستمال به الخواطر، فما مالوا إليها ولا عاجوا عليها، فرجعت آيبة، ومما أملته خائبة.
ثم رحلت الأمراء من الكسوة وجدّوا في المسير من غير تقصير حتى وصلوا إلى الديار المصرية في أوائل السنة الآتية، وسنذكر ما جرى بعد ذلك إن شاء الله.
وفيها: طلب من أهل بغداد خمسون ألف دينار، وضربت على أملاكهم أجرة مدة شهرين وجبيت منهم على وجه القهر والغلبة والظلم.
وفيها: حج بالناس "................. ".
وفيها: "..................... ".
ذكر من توفي فيها من الأعيان قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن أبي العز وهيب بن نظام أبو الفضل الأذرعى، ثم الدمشقي الحنفى.
الإمام العالم المتبحر العارف بدقائق الفقه وغوامضه، انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر والشام، وشيخ الحنفية في وقته شرقا وغربا، تفقه على الشيخ جمال الدين الحصري وغيره، ثم سكن مصر، وحكم بها، ودرس بالصالحية، ثم رجع إلى دمشق فاتفق موت قاضي القضاة مجد الدين بن العديم، فولى القضاء عوضا عنه، فلم يبق فيه إلا ثلاث شهور حتى مات ليلة الجمعة سادس شعبان من هذه السنة ودفن من الغد بعد الصلاة بدار بسفح قاسيون، وله ثلاث وثمانون سنة، وولى القضاء بعده بدمشق حسام الدين الرومىّ، وكان الملك الظاهر بيبرس يحبّه ويبالغ في احترامه، وأذن له أن يحكم حيث حلّ وكان لا بكاد يفارقه في غزواته، وحج معه، ولم يخلف بعده مثله في المذهب، وله شعر حسن ومنه ما قاله في مملوك حسن الصور من مماليك الملك المعظم بن العادل زوجه بحارية من جواريه موصوفة بالحسن:
يا صاحبي قفا وانظرا عجبا ... أني بنا الدهر فينا من عجائبه
البدر أصبح فوق الشمس منزلةً ... وما العلو عليها من مراتبه
أضحى يمائلها حسنا وصار لها ... كفوا وسار إليها في مواكبه
فاشكل الفرق لولا وشى نمنمةبصدغه واخضرار فوق شاربه قاضي القضاة مجد الدين عبد الرحمن بن كمال الدين عمر بن أحمد المعروف بابن العديم الحلبي، ثم الدمشقي الحنفيّ.
ولى قضاء الحنفية بعد ابن عطاء بدمشق، وكان رئيساً ابن رئيس، وله فضل ومكارم أخلاق، وقد ولي الخطابة بجامع القاهرة الكبير، وهو أول حنفي وليه، وكانت وفاته بجوسقه في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بالتربة التي أنشأ عند زاوية الحريري على الشرف القبلي غربيّ الزيتون.
الشيخ جمال الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عبد الله ابن الحسن بن عثمان بن الشيخ نجم الدين البادرائي البغدادي، ثم الدمشقي.
درس بمدرسة أبيه من بعده إلى حين وفاته يوم الأربعاء سادس رجب، ودفن بسفح قاسيون، وكان رئيسا حسن الأخلاق، جاوز خمسين سنة.
جمال الدين طه بن إبراهيم بن أبي بكر الهمداني الأربلى.
كان أديبا، فاضلا، شاعرا، وله قدرةٌ في تصنيف ذو بيت، وقدم القاهرة حتى كانت وفاته بها في جمادى الأولى من هذه السنة، واجتمع مرةً بالملك الصالح نجم الدين، فجعل أيوب يتكلم في علم النجوم، فأنشده على البديهة:
دع النجوم لطرفيّ يعيش بها ... وبالعزيمة فانهض أيها الملك
إن النبي وأصحاب النبي نهوا ... عن النجوم فقد أبصرت ما ملكوا
وكتب إلى صاحب له اسمه شمس الدين يستزيره بعد رمدٍ أصابه وبرأ منه:
يقول لي الكحال عينك قد هدت ... فلا تشغلن قلبا وطب نفسا
ولى مدةٌ يا شمس لم أركم بها ... وآية برء العين أن تبصر الشمسا
الوزير بهاء الدين أبو الحسن على محمد بن سليم المعروف بابن حنا المصري.