اجعل لرّبك ما تأتي وما تذر ... تفز لديه بما لا تبلغ الفكر

وبادر الوقت بالخيرات مجّهدا ... إن النفس لخوف الفوت يبتدر

ولا تضع لاهياً عمراً شرفت به ... فالعمر عقدٌ له ساعاته درر

لله كل الورى ملكٌ فطاعته ... أحقّ ما اكتسبته البدو والحضر

في الله في كل شئٍ فائتٍ عوضٌ ... إذا المعاني تحلّت غابت الصّور

ومن يدم شغله بالله كان له ... سمعاً وعيناً كذاك الخبر والخبر

الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك بن الملك الناصر داود بن الملك المعظم بن الملك العادل بن أيوب.

توفي يوم السبت خامس عشر المحرم من هذه السنة مسقيّاً كما ذكرنا عن أربع وستين سنةً، وكان رجلا جيدا، سليم الصدر كريم الأخلاق، ليّن الكلمة، كثير التواضع، يعاني ملابس العرب ومراكبهم، وهو معظم في الدول، وكان كريما شجاعا مقداما، وكان يسكن البّر، وتزوج في العرب، وأقام بينهم، يسير معهم حيث ساروا، إذا غزوا غزا معهم، فحضر من الغزاه إلى دمشق، فشرب من كأس الظاهر الذي فيه حمامه كما ذكرنا.

الأمير الكبير بدر الدين بيليك بن عبد الله الخزندار نائب الديار المصرية للملك الظاهر.

وكان خيّرا جوادا ممدّحا، له إلمام ومعرفة بأيام الناس والتواريخ، وقد وقف درسا بالجامع الأزهر بالقاهرة على الشافعيّة، يقال: إنه سمّ مات، حنف أنفه والله أعلم، وانتقض بعده حبل الملك السعيد واضطربت أموره.

الأمير شمس الدين آفسنقر بن عبد الله الفارقاني الظاهرى، أستاذ الدار.

وكان يباشر نيابة السلطنة بالديار المصرية عند سفر السلطان الملك الظاهر، مات في هذه السنة معتقلا في القلعة بعد وفاة الأمير بدر الدين بيليك بأيام قليلة، رحمة الله.

وممن توفي في هذه السنة من الأمراء الأمير جمال الدين أقوش المحمدى، والأمير عز الدين الدمياطى، والأمير بلطا البيرى، والأمير بدر الدين الوزيري، والأمير سنقر الرومىّ.

فصل فيما وقع من الحوادث في

السنة السابعة والسبعين بعد الستمائة

استهلت هذه السنة وأولها يوم الأربعاء، والخليفة هو: الحاكم بأمر الله العباسي.

وسلطان الديار المصرية والشاميّة والحلبية: الملك السعيد بن الملك الظاهر بيبرس.

ونائبه بدمشق عز الدين أيدمر الظاهرىّ، وبحلب الأمير نور الدين على الهكارىّ.

وصاحب حماة: الملك المنصور.

وسلطان بلاد الروم: غياث الدين بن ركن الدين قليج أرسلان، وهو سلطان إسماً، والحكم للتتار.

وصاحب العراق وأذر بيجان وغيرهما من تلك البلاد: أبغا بن هلاون.

وصاحب اليمن: الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر.

وصاحب مكة: الشريف نجم الدين بن أبي نمى الحسنى.

وصاحب المدينة: عز الدين جماز بن سالم الحسيني.

وفي أوائل المحرم جاء الخبر إلى دمشق بأن شمس الدين بن خلكان، تولى قضاء القضاة الشافعيّة بدمشق، عودا على بدء، وذلك بعد أن عزل عن قضاء دمشق مدة سبع سنين، فلما جاء الخبر بذلك امنتع قاضي القضاة عز الدين بن الصائغ عن الحكم، وقد كان منصب القضاء بينهما دولا، ثم وصل ابن خلكان إلى دمشق، فدخلها يوم الخميس الثالث والعشرين من المحرم، فخرج نائب السلطنة الأمير عز الدين أيدمر، وعه جميع الأمراء والمواكب لتلقيه، وفرح الناس به فرحا شديدا، ومنهم من تلقاه إلى الرملة، ومدحه الشعراء، فكان فيمن أنشد الفقيه شمس الدين محمد بن جعفران:

لما تولى قضاء الشام حاكمه ... قاضي القضاة أبو العباس ذو الكرم

من بعد سبع شداد قال خادمه ... ذا العام فيه يغاث الناس بالنعم

وفي يوم الأربعاء ثالث صفر ذكر ابن خلكان الدرس بالظاهرية التي بنيت موضع دار العقيقي بدمشق، ولم تكن المدرسة تكاملت بعد، وحضر نائب السلطنة عز الدين أيدمر وبقيّة القضاة والأعيان، وكان مدرس الشافعية رشيد الدين عمر بن إسماعيل الفارقيّ، ومدرس الحنفية الشيخ صدر الدين سليمان الحنفيّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015