وقال ابن كثير: أرسل إليه صاحبها يقول: ما مرادك أيها السلطان في هذه الأرض؟ فقال: جئت لأرعى زرعكم وأخرب بلادكم، ثم أعود إلى حصاركم في العام الآني إن شاء الله تعالى، فأرسل يستعطفه ويطلب منه المصالحة ووضع الحرب بينهم عشر سنين، فأجابه إلى ذلك.

وأرسل إليه الإسماعيلية يستعطفونه على والدهم، وكان مسجونا بالقاهرة، فقال: سلموا إلى العليقة وانزلوا فخذوا إقطاعات بالقاهرة وتسلّموا آباكم، فلما نزلوا أمر بحبسهم في القاهرة، وقد استناب بحصن العليقة، وخرجت من يد الإسماعيلية من ذلك الوقت.

ثم رجع السلطان ودخل دمشق يوم الأربعاء خامس عشر شوال من هذه السنة، وعزل القاضي شمس الدين بن خلكان، وكان له في القضاء عشر سنين، وولى القضاء عز الدين بن الصائغ، وكان تقليده قد كتب بظاهر طرابلس، بسفارة الوزير بهاء الدين بن الحنّا ورأيه، فسافر ابن خلكان في ذي القعدة إلى الديار المصريّة.

وفي حادي عشر شوال دخل الشيخ خضر الكردي شيخ السلطان وأصحابه إلى كنيسة اليهود، فصلوا فيها، وأزالوا ما فيها من شعائر اليهود، ومدّوا فيها سماطا، وعملوا سماعا، وبقوا كذلك أياما، ثم أعيدت إلى اليهود.

ذكر فتح القرين

خرج السلطان من دمشق في العشر الآخر من شوال وأني إلى الساحل، ثم سار إلى القرين ونازله، وأخذ باشورته في ثاني ذي القعدة، وقد ذكرنا بقية الكلام الآن، فحاصله أنه أخذ الحصن وأمر بهدم قلعته، ثم سار عنه ونزول اللجون، وتقدمت مراسيمه إلى النواب بالديار المصّرية بتجهيز الشواني، وقد ذكرناه مفّصلا عن قريب، ثم إن السلطان جاء إلى عكّا وأشرف عليها وتأملّها، ثم سار إلى الديار المصريّة.

وكان مقدار ما غرمه في هذه السرحة والغزوات قريبا من ثمانمائة ألف دينار، وكان وصوله إلى القاهرة يوم الخميس ثالث عشر ذي الحجة.

ولما دخل القاهرة أمر بعمارة الشواني وباشرها بنفسه، فعمّر في أقرب مدة ضعفي ما أنكسر.

وفي اليوم الثاني من وصوله مسك السلطان جماعة من كبار الأمراء منهم: علم الدين سنجر الحلبي، وعز الدين إيغان سم الموت، أقوش المحمدي وغيرهم، بلغه أنهم أرادوا أن يفتكوا به وهو على الشقيف.

وفي اليوم السابع عشر من ذي الحجة أمر بإراقة الخمور من سائر بلاده، وتهدّد من يعصرها بالقتل، وأسقط الضمان في ذلك، وكان بالقاهرة وحدها ألف دينار، وسارت البرد بذلك إلى الآفاق بأمر بذلك.

ذكر بقية الحوادث

منها: أن في ربيع الأول بلغ السلطان الملك الظاهر أن أهل عكا ضربوا رقاب من في أيديهم من أسرى المسلمين صبراً بظاهر عكا، فأمر بمن كان في يده من أسارى عكا، فغرقوا جميعهم، وكانوا قريباً من مائة نفر.

ومنها: أن في الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الأخر أقيمت الخطبة في جامع المنشية، بحسب كمال بنائه.

ومنها: أن في يوم الأحد الثاني عشر من شوال جاء سيل عظيم إلى دمشق، فأتلف شيئاً كثيراً، وغرق بسببه أناس كثيراً أيضاً لا سيما الحجاج من الروم، أخذهم وجمالهم فهلكوا، وغلقت أبواب البلد، ودخل الماء من مرامى السّور ومن باب الفراديس، فغرق خان بن مقدّم، وأتلف شيئاً كثيراً، وكان ذلك في زمن المشمش، وفي تاريخ بيبرس: أتى على كل شئً فجعله كالرميم، وطلع في سور دمشق قدر رمح، وأغرق في حيوانات كثيرة، وأفسد عدة آدر بدمشق، وأغرق من العالم مالا يحصى، ونضب، فلم يعلم من أين اجتمع وإلى أين ذهب، ويقال إنه هلك هب تقدير عشرة آلاف نفس، وأخذ الطواحين بحجارتها.

ومنها: أن صاحب صور سأل الصلح فأجيب، وتقرر الصلح، وحصل الإنفاق على أن يكون له عشرة بلاد خاصاً، ويكون للسلطان خمس بلاد يختارها خاصاً وبقية البلاد مناصفة.

ومنها: أنه ورد كتاب نيسو نوغاى قريب الملك بركة، وهو أكبر مقدمى جيشه، نسخته:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015