صدر هذا الكتاب: من نيسو نوغاى إلى الملك الظاهر، أحمد الله تعالى على أن جعلني من جملة المسلمين، وصيرني ممن يتبع الدين المستبين، وبعد: فإن كتابنا هذا يحتمل على معنيين: أحدهما: التحية والسلام منا إليك. والثاني: أنا سمعنا من أرفوغاً أنه لصدق عهده مع ابينا بركة خان استخبر عن أولاده وأقربائه ومن أسلم منهم، فلما أخبر هذا الخبر أخلصنا المحبة للملك الظاهر، الوفىّ بالعهود، ما استخباره عنا الا لحميته في الاسلام وصدق نيته في تجديد العهود وكتبنا هذا الكتاب على يد أريتموا وتوق بغا، معلماً أن دخلنا في الإسلام، وآمنا بالله، وبرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فيثق بما قلناه، ويستن بسنة أبينا بركة خان، ويتبع الحق، ويجتنب البطلان، ولا يقطع إرسال المكاتبة، فنحن معك كالأنامل لليد، نوافق من يوافقك، ونخالف من يخالف.
فكتب جوابه: صدرت هذه المكاتبة إلى سامي مجلس العزيز الأصيل، المجاهد في سبيل ربه، المستضئ بنور قلبه، ذخيرة المسلمين، وعون المؤمنين، نيسونوغا، عمّر الله قلبه بالأيمان، وجعله من أمر ديناه وأخراه في أمان، وعامله بما عامل به التابعين بإحسان، نعلمه بورود كتاٍب منه، سرّ السمع والقلب، وحكم للتوفيق بالغلب، ووجدناه مقصورا على أفهام ما هو عليه من صحة الإعتقاد والإقتفاء لأثر الملك بركة خان في اجتهاد في الدين وجهاد، وهذا كان عندنا منه أمر لا تترك مثله ولا نلغي، وقد تلونا قوله تعالى: ذلك ما كنا نبغ، وحمدنا الله علىأن كثرّ به حزب المؤمنين، وجعله في ذلك الجانب متبتلا لقتال الكافرين، وقد علم أن الرسول جاهد عشيرته الأقربين، وأنكر على من رضى أن يكون مع القاعدين، والقصد التذكار بذلك، وإبلاغ التحيّة لمن في الجانب المحروس، ممّن نور الله بصيرته حتى اهتدى للحق، واقتدى بالملك بركة خان، رضى الله عنه، في جهاده، وداوم على الجهاد، الذي كتب الله لنا أجره، في الغرب، ولهم أجره في الشرق، حتى تنكسر شوكة الكفار، ويعلم الكافر لمن عقبي الدار، ويخذل أنصار المشركين، وما للظالمين من أنصار وتتمنه تتضمن الأشلاء على التتار والإغراء بهم.
وفيها: ".............. " وفيها: حج بالناس "................. "
قاضي القضاة شرف الدين أبو حفص عمر بن عهد الله بن صالح بن عيسى السبكي المالكي.
ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث، وتفقه، ودرس، وأقى بالصالحية، وولى حسبة القاهرة، ثم ولى قضاء القضاة سنة ثلاث وستين، لما ولّوا من كل مذهٍب قاضيا، وقد مرّ أنه امتنع أشّد المتناع، وإنما أجاب بعد إكراه، وشرط أن لا يأخذ جامكيةّ، وكان مشهورا بالعلم والدين، روى عنه القاضي بدر الدين بن جماعة وغيره، وكانت وفاته لخمس بقين من ذي القعدة بالقاهرة، ودفن بمقابر باب النصر الشيخ عمر السنجاري من أصحاب علي بن وهب.
وسبب وفاته: أن الفقراء اجتمعوا في زاوية الشيخ مذكور الجفاري ببلبيس، وكانت ليلة جمعة: ومعهم قّوال يسمى أسد الفاقوسيّ، فقرأ القارئ: أينما تكونوا يدرككم الموت.
فتواجد الشيخ عمر المذكور وقام وقعد، فأنشد القّوال:
لئن عاد جمع الشمل في ذلك الحمى ... غفرت لدهري كل ذنب تقدّما
وإن لم يعد منّيت نفسي بعودةٍ ... وماذا عسى تجدي الأماني وكلّما
يحق لقلبي أن يذوب صبابةً ... وللعين أن تجري مدامعها دما
على زمنٍ مٍاض بكم قد قطعته ... لبست به ثوب الخلاعة معلما
فقام الشيخ وتواجد ووقع إلى الأرض، فانقطع حسّه فحركوه فإذا هو ميت.
الشيخ أبو إبراهيم إسحاق بن أبي الثناء محمود بن أبي الفياض بن علي البروجردى الصوفي المشرف، المنعوت بالشمس.
مات في ضحوة النهار الخامس من المحرم بالقاهرة، ودفن من يومه بسفح المقطم، ومولده في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين وخمسمائة ببروجرد، سمع وحدث، وكان يكتب خطا حسنا، وكان من أكابر مشايخ الصوفية، مشهورا عندهم، مقدما فيهم.