وقال ابن كثير: وغريب ما حكى عنه أنه باع دابة له من رجل، فلما كان بعد أيام جاء الرجل فقال: يا سيدي إن الدابة التي اشريتها منك لا تأكل عندي شيئا، فنظر إليه الشيخ فقال: ما تعانى من الصنائع؟ فقال: رقاص عند الوالي. فقال: إن دابتنا لا تأكل الحرام، ودخل منزله فأعطاه دراهمه ومعهما دارهم كثيرة قد اختلطت بها أيضا معها، فاشترى الناس من الرقاص كل درهم بثلاثة دراهم لأجل البركة، وأخذ دابته وترك من الأثاث ما يساوى خمسين درهما فأبيع بمبلغ عشرين الفا، رحمه الله.

محيى الدين عبد الله بن صفى الدين إبراهيم بن مرزوق، توفى في الثامن والشعرين من رمضان منها بداره بدمشق المجاورة للمدرسة النورية.

وقال ابن كثير: داره هي التي جعلت مدرسة للشافعية، وقفها الأمير جمال الدين أقوش النجيبي وبها إقامتنا، وقد كان أبوه صفى الدين وزر مدة للملك الأشرف، وملك من الذهب ستمائة ألف دينار خارجا عن الأملاك والأثاث والبضائع، وكانت وفاة أبيه بمصر في سنة تسع وخمسين، ودفن بتربة عند جبل المقطم.

القاضي أبو البقاء صالح بن ابي بكر بن سلامة المقدسي الفقيه الشافعي الحاكم بمدينة حمص.

وكان حسن الطريقة محمود السيرة، توفى في هذه السنة بحمص.

القاضي زين الدين أبو الفتح محمد بن القاضي الموفق بن أبي الفرج الإسكندراني.

وهو من رؤساء بلده المشهورين، وتولى القضاء والخطابة بها مدة، وتوفى في الإسكندرية في هذه السنة.

كمال الدين أحمد بن القاضي زين الدين بن الأستاذ.

كان تولى قضاء حلب بعدأبيه، فبقى على ذلك إلى أن أخذ التتار حلب، فنكب مع من نكب، وجاء مع أهله إلى دمشق، وخرج إلى مصر فبقى فيها إلى هذه السنة، فرجع إلى حلب فتوفى بها في خامس عشر شوال، وكان فاضلاً وابن فاضل، وجده من الصالحين، وجمع كتاباً في شرح الوسيط كان تعب فيه أبوه من قبل.

سليمان بن المؤيد بن عامر العقربانى المعروف بابن الزين الحافظى.

قتله هلاون في هذه السنة، وقتل معه جميع أولاده وأهل بيته وأقاربه، وقال له هلاون قبل قتله: ثبتت خيانتك عندي، خدمت صاحب بعلبك طبيبا فخنته، واتفقت مع غلمانه على قتله، ثم خدمت الملك الحافظ فباطنت عليه الملك الناصر صاحب الشام حتى أخرجته من قلعة جعبر، ثم خدمت الملك الناصر فخنته معي حتى أخرجت ديارة، ثم خدمتنا فشرعت تباطن صاحب مصر علينا، فأنت تشبه القرعة على وجه الماء كيف ماضر بها الهوى مالت معه.

وقال ابن كثير: وقد كان هذا المغتر لما قدم التتار سنة هلاون مالاً على المسلمين وآذاهم ودل على عوراتهم، ثم لما عادت الدولة الإسلامية صار إلى التتار، فكان عندهم حتى سلطهم الله عليه فأهلكوه: من أعان ظالما سلطه الله عليه.

الأمير حسام الدين الجوكندار العزيزي: من غلمان العزيز بن الظاهر بن السلطان صلاح الدين.

وكان له يدٌ طولى في كسرا لتتار على حمص، وقتل مقدمهم بيدرا، وكان تولى نيابة حلب، مات في تاسع عشر المحرم من هذه السنة.

الشمس الوتارالموصلى.

كان قد حصل شيئاً من علم الأدب وخطب بجامع المزة مدة.

قال أبو شامة: أنشدنى لنفسه في الشيب والخضاب:

وكنت وإياها مذ اختط عارضى ... كروحين في جسم وما نقضت عهدا

فلما أتانى الشيبُ يقطع بيننا ... توهمتُه سيفا فألبستُه غمدا

فصل فيما وقع من الحوادث

السنة الثالثة والستين بعد الستمائة

استهلت هذه السنة، والخليفة: هو الحاكم بأمر الله، وهو مقيم بالقاهرة.

وسلطان الديارالمصرية والشامية: الملك الظاهر بيبرس البندقدارى، وتوجه الظاره إلى أعراس والعباسة للصيد، ثم عاد إلى قلعة الجبل، وكان سبب عوده وصول الأخبار إليه بأن مقدما من مقدمى التتار يسمى درباي قد قصد البيرة بتمان من التتار وشرع في المنازلة والحصار، فأسرع العود إلى القلعة، وجرد الأمير عز الدين يوغان الملقب سم الموت بمقدمة العساكر، ومن جرد معه من الجند المتوجهين جرائد، فتوجهوا في رابع ربيع الأول من هذه السنة، ثم جرد السلطان.

ذكر سفر السلطان الظاهر إلى الشام

ولما جهز السلطان العسكر المذكورين، وخرجوا في التاريخ المذكور، شرع هو أيضاً في التجهيز، ورحل في سادس ربيع الآخر من هذه السنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015