ومنها: أن الاشكرى قبض على السلطان عز الدين كيكاوس صاحب الروم، وقد ذكرنا أنه انهزم من أخيه ركن الدين قليج أرسلان، وتوجه إلى القسطنطينية، فأكرمه الأشكرى، وأقبل عليه، وعلى من معه من الأمراء، فلما كان هذه السنة خطر ببال الأمراء الروميين الذين معه وهم: غرلوا أمير آخور، وعلى بهادر، وأمير مجلس أن يثبوا على الأشكرى فيقتلوه، ويستولوا على بلاده، فعرِفوا أستاذهم بذلك، وسألوه كتمانه عن أخواله كرخيا وكركربد، فاستدعى خاليه، وعرفهما ما عزم أولئك عليه، وأشار إليهما بإعلام الأشكرى بذلك، ومنعه من الركوب في غداة اليوم الذي عزموا على اغتياله فيه، فتوجها إلى الأشكري وأعلماه، فلم يركب ذلك النهار، وعلم وليمة كبيرة، وعزم على السلطان عزالدين وعلى امرائه فأكلوا وشربوا، ورتب أن يمكسوا إذا خرجوا، فقبض على كل من خرج منهم، وعلى السلطان عز الدين أيضاً، وقيدوا، وسير السلطان وأولاده إلى قلعة من القلاع الغربية، فاعتقلوا فيها، وأما أمراؤه فإنه كحلهم جميعا، ثم رسم بأن يجمع كل من يلوذ بهم من الجند والغلمان والعامة والحاشية، وجمعوا في الكنيسة الكبرى جميعا، وحضروا، وحضرت البطاركة والبطارقة، وعرضوا عليهم الدخول في دين النصرانية، فمنهم من تنصر وسلم، ومن أبي إلا البقاء على إسلامه فكحل، وكان فيهم رجل من أرزنكان يسمى نور الدين، فلما أحضروه وعرضوا عليه التنصر، فصاح وقال: الجنة معدة للإسلام، والنار معدة لكم، فطالعوا الملك بأمره، فقال: هذا رجل ثابت على دينه، فاعطوه كتاب الطريق ولا تعرضوا له، فأطلقوه.
وأما عز الدين كيكاوس وأولاده، فإنه بقى معتقلا بتلك القلعة إلى سنة ثمان وستين وستمائة.
ومنها: أنه حصل بجاسوسين للتتار، ووجد معهما فرمان هلاون للأمير فارس الدين أقطاى الأتابك، فعلم السلطان أن ذلك مكيدة من التتار، لعنهم الله.
وفيها: وفيها: حج بالناس.
القاضى الخطيب عماد الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن قاضي القضاة جمال الدين عبد الصمد بن محمد الحرستانى.
كان خطيبا بدمشق وناب في الحكم عن أبيه في الدولة العادلية، ثم عن ابن خليل الحوى، ثم استقل بقضاء القضاة بدمشق في الدولة الأشرفية، ثم كان خطيب دمشق، ومدرس الغزالية، وشيخ دار الحديث الأشرفية بعد ابن الصلاح إلى أن توفى بدار الخطابة في التاسع والعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن عبد الكريم بسفح جبل قاسيون وقد جاوز الثمانين بخمس سنين.
وتولى بعده الخطابة والغزالية ولده مجير الدين، وباشر بعده مشيخة دار الحديث الشيخ شهاب الدين أبو شامة، رحمه الله.
محي الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن سراقة، الحافظ المحدث الأنصارى الشاطبي أبو بكر المغربي.
عالم فاضل دين، وأقام بحلب مدة، ثم اجتاز بدمشق قاصداً الديار المصرية، وقد ولى دار الحديث الكاملية بعد زكي الدين عبد العظيم المنذري، وقد كان له سماع جيد ببغداد وغيرها من البلاد، وقد جاوز السبعين، مات في هذه السنة بالقاهرة.
القبارى الشيخ الصالح محمد بن منصور بن يحيى القبارى الأسكندرانى.
كان يكون مقيماً بغيط يقتات من ثماره وزرعه، ويتورع في تحصيل نذره.
قال أبو شامة: بلغنى أنه كان إذا رأى ثمرة ساقطة فيه تحت أشجاره ولا يشاهد سقوطها من شجره يتورع من أكلها، خوفا أن يكون من شجر غيره قد حملها طائر فسقطت منه في غيطه.
وكانت وفاته في السادس من شعبان منها بالإسكندرية، وله خمس وستون سنة، وكان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويردع الولاة من الظلم، فيسمعون منه ويطيعونه، وإذا جاء الناس إلى زيارته يكلمهم من طاقة المنزل وهم راضون منه بذلك.
ولما توجه الملك الظاهر إلى الإسكندرية في العام الماضي، قصد زيارته، فركب إلى بستانه، فلم يفتح له الباب، ولما توفى دفن في بستانه بوصية منه.