وماهي إلا جنةُ الخلد أزلفت ... له في غدٍ فاختار تعجيلها هنا
فشرف الشعراء المذكورون ووصلوا:
منها: أن هيثوم بن قسطنطين متملك الأرمن وصل من جهة السلطان هلاون إلى حضرة السلطان ركن الدين قليج أرسلان صاحب الروم، واستصحب معه قاضي هلاون، وجماعة من التتار، فالتقاه صاحب الروم مترجلا، وجاء إلى هرقله، وتحالفا واتفقا، واهتم الأرمني بجمع عساكره لقصد البلاد الإسلامية، وسار إلى قلعة صرفند كار، ومعه ألف فارس من بني كلاب، وقصدوا عينتاب.
فجهز السلطان عسكري حماة وحمص إلى حلب، وأمرهم بالإغارة على عسكر الأرمن، فأغاروا عليهم، وقتلوا منه ثلاثين نفراً، وأسروا أميراً من أمرائهم، وأخذوا مائة حمل من البخاتى، وجرح بارون بهرام، وهو صاحب حموص، وقرابة الملك، جراحة شديدة، وانهزموا راجعين.
ومنها: أنه وصلت جماعة من عسكر شيراز إلى الخدمة، مقدمهم الأمير سيف الدين بكلك، ومعهم سيف الدين اقتبار جمدار جلال الدين خوارزم شاه، وغلمان أتابك سعد، وهم: شمس الدين سنقرجاه ورفقته، ووصل معهم حسام الدين حسين بن علاج أمير العراق، ومظهر الدين وشاح بن شهرى، وجماعة من أمراء خفاجة، فأحسن إليهم وجهزهم إلى بلادهم.
ومنها: أنه وصل رسول من الأمير شارل أخى الفرنسيس بهدية.
ومنها: أنه وصلت إلى السلطان كتب أصحاب خيبر عبيد الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، يبذلون الطاعة، ويسألونه إرسال من يستلم خيبر، فندب أمين الدين موسى بن التركمان، وكتب إلى نائب الكرك، بأن يجرد معه جماعة من البحرية الذين بالكرك، فتوجه اليها وتسلمها.
ومنها: أنه وصل الأمير جلال الدين شكر ولد الدوادار مجاهد الدين دوادار الخليفة ببغداد، فأعطاه السلطان طبلخاناه ومعها عشرة عقبان، فأطلقها وفرقها.
فقال في ذلك الأمير جمال الدين بن الإمام الحاجب:
جاءَت موكل الطير في يد آسرٍ ... قهراً إلى ملك الأنام الظاهر
أضحى سليمان الزمان فملكه ... يسمو به لقياصر وأكاسر
ملك الزمان سيأُتينك مثلهم ... في أسر خادمك الزمان الجائر
ومنها: أنه وجدت بظاهر القاهرة، خارج باب الشعرية، أمرأة تتحيل على الناس، وتدخلهم بيتا لها هناك، وقد أعدت فيه رجالا يطابقونها على سوء فعلها، فيخنقون من تأتى به فقتلت خلقا كثيراً من رجال ونساء، فأمر بها فسُمرت.
وكان أسم هذه المرأة السيئة غازية الخناقة، وكانت ذات حسن وجمال، وكانت تمشى بالمدينة ومعها عجوز تطمع الناس في نفسها، وكان من طمع فيها وطلبها تقول له العجوز: أنها لا يمكنها التوجه إلى أحد، ولكن تعال أنت إلى بيتها، فيجىء، فيطلع له رجلان، فيقتلانه ويأخذون ما معه، وكانوا ينتقلون من مكان إلى مكان، فاتفق أن العجوز أتت إلى بعض المواشط، وأمرتها أن تأخذ ما تقدر عليه من الحلى والحلل، وتمضى معها لعروسة عندها، ففعلت الماشطة، واستصحبت معها جارية لها، ولما دخلت الماشطة منزلهم، رجعت الجارية إلى مكانها، فقتلوا الماشطة، وأخذوا ما معها، فاستبطأتها جاريتها، فجاءت إليهم وطلبتها، فانكروها وادعوا أنها خرجت من يومها، فمضت وأتتهم بصاحب الشرطة، فإحتاط عليهم وعذبهم، فأقروا بما كانوا يفعلون، وأطلعوا في بيتهم على حفرة فيها خلق عظيم مقتولين، وكان بعض الطوابين قد اتفق معهم، وجعلوا يحضرون إليه القتلى مختفياً، فيحرقهم في أقمنة الطوب، فأمسكوا جميعاً وسمروا، وكانوا خمسة أنفس، وأما المرأة فإنها بعد التسمير أطلقت، فأقامت يومين، ثم ماتت، عليها ما تستحق.
ومنها: أنه اتفقت واقعة بالمغرب بين أبي يوسف يعقوب المرينى وبين الفرنج، وكان المقدم عليهم قائدا من قوادهم يسمى بدر قزمان، على مكان يقال له بيتره، فهزمه المرينى، وقتل جماعة ممن كان معه، وأثر في تلك البلاد آثاراً كثيرة.
ومنها: أن نصير الدين الطوسى قدم إلى بغداد من جهة هلاون، فنظر في الأوقاف وأحوال البلد، وأخذ كتاب عظيمة كثيرة من سائر المدارس وحولها إلى الرصد الذي بناه بمراغة، ثم انحدر إلى واسط والبصرة.