معاني الإسلام

ثم ذكر أن ذلك وصية إبراهيم وهو الإسلام في كل زمان بحسبه؛ لأن الإسلام مسمى لهذا الدين الذي أنزله الله عز وجل في كل أمة حسب وقتها وما أرسل الله إليها، ووصية إبراهيم {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] وهذه الوصية تعني التزام الإسلام كما هو آخر الآية ((فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) والإسلام هو دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، ثم إن الإسلام يعني جميع ما جاءت به الرسل في أوقاتهم، ومن هنا فإن الإسلام بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ينطبق على معنيين: المعنى الأول: الإسلام العام الذي هو العقيدة والأصول التي جاء بها جميع النبيين، وهذا أمر لا يختلف فيما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عما جاء به غيره من لدن نوح إلى خاتم النبيين كله واحد.

والمعنى الثاني: الإسلام بالمعنى الخاص وهو ما يضاف إلى ذلك من الشريعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي هي مهيمنة وناسخة للشرائع السابقة.

إذاً: فالإسلام بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إنما يعني هذا المعنى وهو: الإسلام الخاص، ولا يعني ذلك أن نخرج الأمم من مسمى الإسلام، فآدم وذريته مسلمون إلا من انحرف فيما بعد عن الإسلام، ونوح وأتباعه مسلمون، وإبراهيم وأتباعه مسلمون، وبنوه الذين بعثهم الله وجعل النبوة في ذريته ذرية يعقوب وذرية إسحاق وذرية إسماعيل، وأغلب أنبياء بني إسرائيل من ذرية إسحاق، لكن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل، فهم فيهم النبوة، وكلهم جاءوا بالإسلام، وكلهم وأتباعهم مسلمون، لكن بعدما اندثرت الشرائع وطالها التحريف ووقع أتباعها في الجهل والفرقة والتحريف والتبديل نسخ الله ذلك كله وأبدله بهذا الدين وبهذا الإسلام، فصار الإسلام يعني هذا الإسلام الخاص الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا يسع أحد من الناس بأن يدّعي أنه مسلم بمجرد أن ينتسب إلى نبي كما هي الدعوى الحاصلة الآن من رافعي لواء التقريب بين الديانات الكتابية أو ما يسمى بالديانات الإبراهيمية، فإنهم زعموا أن هؤلاء كلهم على الإسلام؛ لأنهم أتباع الأنبياء، وهذا خطأ، بل ضلال مبين، ومن أعظم الضلال والتلبيس، فإنا كما نؤمن بموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كلهم أوصوا باتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث، فلا يجوز أن نتبع غيره ولا أن نعترف بالإسلام أو بأن من حاد عن هذا الدين على الحق، لا نعترف لأحد بالإسلام إلا من كان على هذا الدين، ولا أنه على الحق إلا من كان على هذا الدين، وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: (والله لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار).

ثم ذكر قوله عز وجل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123] وهذا في جانب الاعتقاد، أما في الشريعة فإن الله عز وجل جعل لهذه الأمة شريعة خاصة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015