قال رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30].
وقوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132]، وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل نبي ولاة من النبيين، وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي، ثم قرأ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68] رواه الترمذي).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
ولهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلي رجال من أمتي، حتى إذا أهويت لأناولهم احتجبوا دوني، فأقول: أي رب! أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، قالوا: فكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى، قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال يوم القيامة عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً).
وللبخاري: (بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة فذكر مثله قال: فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم).
ولهما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:117])].
بوب الشيخ لهذا الموضوع بالفطرة: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)) الذي هو دين الفطرة، وقد ذكر وبيّن ذلك من خلال الأحاديث فأراد في هذا الفصل أن يبيّن أن الإسلام هو الفطرة، وأنه هو الحنيفية ملة إبراهيم، وهو وصية إبراهيم عليه السلام، ثم بدأ الباب بالآية وهي قوله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30].
والدين القيّم هو الدين المستقيم، دين الله عز وجل، وهو ما جاء به جميع الأنبياء بمقتضى هذه الفطرة، سواء في جانب الاعتقاد أو في أصول التشريع، إنما الاختلاف في فروع الشريعة وفي الأحكام التفصيلية، أما في مجملات الدين الذي يتمثل في العقيدة وفي أصول الأحكام وتحقيق الغاية الكبرى من الخلق وهو عبادة الله عز وجل، ثم أيضاً تحقيق الأصول الكبرى مثل العدل والفضيلة والصدق والوفاء والأمانة ونحو ذلك هذا كله مقتضى الفطرة وكله جاء به جميع الأنبياء، وهو ملة إبراهيم ومن قبله ومن بعده.