ثم ذكر حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل نبي ولاة من النبيين، وأنا وليي منهم أبي إبراهيم خليلي وخليل ربي، ثم قرأ قوله عز وجل: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68]).
ويعني هذا أن دعوى بني إسرائيل بأنهم هم أولياء إبراهيم هذه دعوى باطلة، وكذلك دعوى أصحاب القوميات والنزعات القومية العرقية الذين يدعون أن اجتماع العرب واجتماع الأمم ينبغي أن يكون على مثل هذه السلالة، وأن الأخوة بين البشر ينبغي أن تنبني على مثل ذلك، حتى ادعوا أن بني إسرائيل المعاصرين من اليهود إخوة للمسلمين؛ لأنهم كلهم يرجعون إلى إبراهيم عليه السلام، وهذا خطأ، لأن الله عز وجل إنما أشار إلى أن الولاية للذين اتبعوه {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران:68] لا الذين انتسبوا إليه بالنسب، ومع أننا نلتقي مع بني إسرائيل الذين هم اليهود نسباً بإبراهيم عليه السلام، لكن لا يعني ذلك أن هذا هو طريق الولاية، فالولاية لا تكون إلا بالإيمان والتقوى، ولا تكون إلا باتباع ملة إبراهيم التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ((وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)) جميعاً، أي: الذين اتبعوا إبراهيم على هذا النهج، وكذلك اتبعوا هذا النبي الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية من الآيات المحكمة في تقرير الولاية وتقرير الولاء للمسلم، فلا يجوز للمسلم أن يوالي إلا على الدين، ولا يوالي على دين إلا على دين الإسلام، وأن الذين ينحرفون عن هذا الدين الذي هو الإسلام ليسوا أولياء لا لإبراهيم ولا لغيره من النبيين، بل النبيون براء منهم، والمؤمنون يجب أن يتبرءوا منهم، ويجب أن يكون هذا الحد من الأمور الواضحة عند كل مسلم، فلا يوالي إلا على الدين، ولا يوالي إلا على النهج السليم الذي هو مقتضى السنة، ولذلك لا تحصل للمسلم ولا لغيره الولاية لله عز وجل إلا بالإيمان، ولا يمكن لأحد أن يدّعي دعوى صحيحة أنه من أتباع إبراهيم ولا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم إلا إذا التزم هذا الدين، وهذا يقتضي بالضرورة البراءة من عكس ذلك والبراءة ممن لم ينتسب لهذا الدين الحق.