والمعالي لم يسبقك أحد إِلَى مَا سَبَقَك إِلَيْهِ وَلم يقْض يلحقك أحد أَو يكون لَك مثل فَيكون ثانيك
23 - الْغَرِيب القسى جمع قَوس والثقلان الْجِنّ وَالْإِنْس وَفِي الحَدِيث خلقت فِيكُم الثقلَيْن كتاب الله وعترتي أهل بَيْتِي فالثقلان فِي الحَدِيث نثنية ثقل من حط ثقله أَي مَتَاعه وَأَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن كتاب الله وعترته ثقلاه اللَّذَان يهمه حفظهما الْمَعْنى يَقُول لَا تحْتَاج أَن تستجيد القسى لرمى الْأَعْدَاء فَإِن قسى سعادتك هِيَ ترمي عَنْك من شِئْت من الْأَعْدَاء فالجن وَالْإِنْس يُقَاتلُون عَنْك من عاديت وَإِذا كَانَت سعادتك هِيَ الَّتِي تساعدك فَلَا حَاجَة إِلَى اتِّخَاذ سلَاح
24 - الْغَرِيب الأسنة جمع سِنَان والقنا الرماح وَالْجد الْحَظ والسعادة الْمَعْنى يَقُول لَا تغني بالأسنة وَلَا الرماح فسعادتك تطعن عَنْك الْأَعْدَاء بِغَيْر سِنَان وَهُوَ بِمَعْنى الْبَيْت الأول يُنكر عَلَيْهِ اتِّخَاذ السِّلَاح للأعداء لِأَن السَّعَادَة تقَاتل عَنهُ
25 - الْغَرِيب النجاد حمائل السَّيْف وَإِذا وصف النجاد بالطول دلّ على طول حامله والحدثان حوادث الدَّهْر والحادثة والحدثي والحدثان بِمَعْنى الْمَعْنى يَقُول لم تحمل السَّيْف وَأَنت غير مُحْتَاج إِلَى حمله لِأَن حوادث الدَّهْر تقَاتل عَنْك الْأَعْدَاء وَهَذَا إِشَارَة إِلَى قتل شبيب لما خرج عَلَيْهِ بِغَيْر سلَاح فَكَانَ هَلَاكه بِغَيْر سلَاح قيل وَقع عَلَيْهِ رحى وَقيل بل صرع وَكَانَ مسموما فَهَلَك بحوادث الدَّهْر
26 - الْمَعْنى يَقُول الأقدار جَارِيَة بحكمك فَإِذا أردْت شَيْئا كَانَ وَإِذا أردْت أَن تُعْطِينِي شَيْئا وصل إِلَيّ وَإِن لم تَجِد بِهِ لِأَن الْأَقْضِيَة تجْرِي بأحكامك يُرِيد أَن الْقَضَاء مُوَافق لإرادته فَإِذا أَرَادَ بِهِ خيرا أَتَاهُ ذَلِك وَأي لم يجد بِهِ عَلَيْهِ وَهَذَا من قَول حبيب
(فالدَّهْرُ يَفْعَلُ صاغِراً مَا تَأمُرُهُ ... )
27 - الْإِعْرَاب يرْوى الْفلك بِالرَّفْع وَالنّصب وَالنّصب أَجود لِأَن لَو تَقْتَضِي الْفِعْل فَيجب أَن تضمر لَهُ فعلا ينصبه وَيكون الْفِعْل الَّذِي نصب سعى الْمُضَاف إِلَى الضَّمِير وَهُوَ أبْغض تَفْسِيرا للمضمر كَقَوْلِك لَو أَخَاك أكرمت غُلَامه لجازاك عَنهُ وَتَقْدِير الْفِعْل الناصب لذَلِك لَو كرهت الْفلك أَي دورانه لِأَنَّك تَقول أَنا أكره زيد وَأَنت تُرِيدُ فعله وأبغضت مُفَسّر فَلَا مَوضِع لَهُ من الْإِعْرَاب كَقَوْلِه تَعَالَى فِي قِرَاءَة الْكُوفِيّين وَابْن عَامر وَالْقَمَر بِالنّصب قدرناه فقددنا هُوَ الناصب للضمير وَهُوَ مُفَسّر فَلَا مَوضِع لَهُ من الْإِعْرَاب تَقْدِيره قَدرنَا الْقَمَر وَمن رفع الْقَمَر قبالابتداء أَو بضمر لَهُ فعل يرفعهُ فِي معنى الظَّاهِر وَالظَّاهِر تَفْسِير لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَو خالفك الْفلك لعوقه شَيْء وَصَارَ أبغضت تَفْسِيره ودليلا عَلَيْهِ كَقَوْل ذِي الرمة
(إِذا ابْنُ أبي مُوسَى بِلالٌ بَلغْتِهِ ... فَقامَ بِفأسٍ بَينَ أُذْنَيْك جازِرُ)
أَي إِذا بلغ ابْن أَي مُوسَى ثمَّ فسره ببلغته وَهَذَا فِيهِ خلاف بَيْننَا وَبَين الْبَصرِيين فَإِن أَصْحَابنَا يَقُولُونَ فِي الإسم الْمَرْفُوع بعد إِن وَإِذا الشرطيتين إِنَّه يرْتَفع بِمَا عَاد إِلَيْهِ من الْفِعْل من غير تَقْدِير فعل وَذهب البصريون إِلَى أَنه يرْتَفع بِتَقْدِير فعل وَالْفِعْل الْمظهر تَفْسِير لَهُ وَحجَّتنَا أَن إِن هِيَ الأَصْل فِي بَاب الْجَزَاء ولقوتها جَازَ تَقْدِيم لمرفوع مَعهَا فيرتفع بالعائد لِأَن المكنى الْمَرْفُوع فِي الْفِعْل الِاسْم الأول فَيَنْبَغِي أَن يكون مَرْفُوعا بِهِ كَمَا قَالُوا جَاءَنِي الظريف زيد وَإِذا كَانَ مَرْفُوعا بِهِ لم يفْتَقر إِلَى تَقْدِير فعل وَقَالَ البصريون إِنَّه لَا يجوز أَن يفصل بَين حرف الْجَزْم وَبَين الْفِعْل باسم لم يعْمل فِيهِ ذَلِك الْفِعْل وَلَا يجوز أَن يكون الْفِعْل هُنَا عَاملا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يجوز تَقْدِيم مَا يرْتَفع بِالْفِعْلِ عَلَيْهِ فَلَو لم يقدر مَا يرفعهُ لبقي الِاسْم مَرْفُوعا بِلَا رَافع وَذَلِكَ لَا يجوز فَدلَّ على أَن الِاسْم ارْتَفع بِتَقْدِير فعل وَقَالَ الْأَخْفَش من الْبَصرِيين هُوَ الْمَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ الْمَعْنى يَقُول لَو كرهت دوران الْفلك لحَدث شَيْء يمنعهُ عَن الدوران وَهَذَا مُبَالغَة وَقَالَ الواحدي هَذِه أَبْيَات لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا لَهَا مثل