أجاب سيدنا وشيخنا سعد الدين الديري الحنفي أطال الله بقاءه فقال: الحمد الهادي للحق تكرر السؤال عن هؤلاء الضُّلاّل الجهال، وحصل الجواب المبسوط عن أحكامهم وملخص حكمهم: أن استحلال عِشْرة " الأمرد " على الوجه المذكور كُفر لا سيما إن اعتقد ذلك قُرْبَةً يتقرب بها، وتركه الاقتداء بأئمة المسلمين بدعة ومخالفة للسنة المأثورة. وأما إنكارهم صحة توبة الشباب ففي ذلك رد لدلالة الكتاب المبين؛ فإن عمومه يقتضي جواز التوبة من كل ذنب بشرطه الشرعي ولا ذنب أعظم من جُحود الرب - سبحانه وتعالى - والتائب منه المعترف بحقيقة ربوبيته يقبل ذلك منه وتسقط عقوبته والله تعالى أعلم. ثم أنبأنا الشيخ شهاب الدين السرخسي الشافعي أبقاه الله تعالى وافق هذا الجواب وقال في آخره: جوابي جواب الشيخ سعد الدين الديري رضى الله عنه.
وسؤال ثالث: في جماعة يتبعون أقواماً يعرفون " بالمطاوعة " يرون صُحبة الصبيان، والنظر إليهم، والخلوة بهم، ويرون الرقص في المساجد والتصفيق، فورد عليهم ناس من أهل السنة، فقالوا لهم: إن هذا حرام، إنكم ترتكبون بدعّا على غير طريق الحق فرجع منهم جماعة وتابوا إلى الله ثم إنه لما فارقهم أهل الذين تابوا ونهوهم عن اتباع أهل السنة وألزمهم، وأكرهوهم، وحلفوهم ان لا يتبعوا أهل السنة فما حكم هؤلاء المشايخ؟ ومن تبعهم والذين حلّفوهم؟ أجاب سيدنا الإمام العلم شمس الدين بن حميد عفا الله عنه: إن هؤلاء القوم المسَمّوْن " بالمطاوعة " يحرم اتباعهم فيما يعتمدون من المفاسد العظيمة من معاشرة المُرْد والخَلْوة بهم لأن النظر إلى الأمرد بشهوة على ما صححه أهل العلم ومخالطتهم ومعاشرتهم في الخلوة أعظمَ خَطِرٍ. وأما التصفيق بباطن الكف فتشبيهاً بالنساء حرام أيضاً. وكذلك الرقص في المساجد، ولا يحل معاشرتهم ولا أتباعهم على هذه الأفعال المنكرة، ويجب على ولىّ الأمر - أيده الله تعالى - استتابهم، من المنكر، وتفريق شملهم عن هذا الاجتماع الخبيث، ويثاب على ذلك. وأما من تاب من ذلك فلا يجوز له بعد التوبة مخالطتهم، ولا موافقتهم، ومن أكره على معاودتهم، وحَلّفوه مُكْرهًا، وقَدَر على الخلاص منهم بذي قوة منهم، لم يخبث لي ما إذا اعتقد إباحة المعاصي في المساجد وحلها فيها حرام عليهم فإنهم يكفرون بذلك ويُستْتَابون، فإن لم يتوبوا قُتِلوا؛ لأن من استحل ما حرم الله تعالى فقد كفر انتهى. أجاب عن هذا السؤال أيضاً الشيخ الإمام العالم علاء الدين القطني عفا الله عنه بقوله: هؤلاء قوم ضلوا وخرجوا عن طريق الحق، ومذهب أهل السنة. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية والباقي في النار " فهؤلاء من الفرق الذين هم في النار؛ فإن الفرقة الناجية ما كان هو عليها وأصحابه صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام مالك رضى الله عنه: ما ظهر من هذا الدين فهو حق، وما بطن منه باطل لقوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) فهؤلاء إن اعتقدوا بأن الخلوة بالأحداث والنظر إليهم مباح فقد كفروا، ويجب على ولاةَ الأمور - أيدهم الله - قتلهم، وتطهير الأرض منهم إن لم يتوبوا. وإن اعتقدوا أنه حرام فقد فسقوا وتسقط عدالتهم فيجب على وُلاة الأمور - أيدهم الله تعالى - تعزيزهم التعزيز البالغ، وزجرَهم وردعهم عن ذلك فإن لم يرجعوا عن هذا قاتلوهم. وأما الذي حلفوه أنه لا يعاشر أهل السنة فإنه لا يجب بمعاشرة أهل السنة كفارة عليه فإنه مكره على اليمين انتهى. ثم أجاب بجواب آخر فقال: لاشك أن أهل السنة صفوة هذه الأمة فمن تابعهم، واقتدى بهم فقد سلك طريق الحق، وسبيل الناجحين ومن ضل عن طريقهم فقد ضل عن الهدى، وسلك طريق الهالكين. وهؤلاء قوم ارتكبوا بِدْعاً، ومحرماتٍ وأموراً منكرات لم يردعن أحد من أئمة السلف بجواز ما يفعلونه إن أصروا على ذلك، فهي من الكبائر الموبقات، وإن اعتقدوا إباحة؛ فربما يؤدي إلى الكفر؛ لأنه من القواعد أنه من اعتقد إباحة محرمٍ فقد كفر؛ فيجب عليهم التوبة من ذلك، والرجوع إلى الحق، واتباع الهدى، فإن لم يفعلوا وجب على ولاة الأمور - أيدهم الله تعالى - تعزيرهم التعزير البليغ، وزجرهم عن ذلك ورجوعهم إلى طريق الحق. وأما من أكره الحلف فلا كفارة عليه إذا رجع وتابع أهل السنة.