وقد اشتهرت محضرة شيخ الشيوخ الحسني وتوافد الناس إليها من شرق هذه البلاد وغربها، وكان من الوافدين إليها الذين أخذوا أسانيد الشيخ ونشروا علمه القاضي ابن اعلممو السباعي من قبيلة (أولاد السباع)، ولزم الشيخ عشرين سنة انقطع فيها عن أهله بالكلية، ولازم الشيخ وقال: لن أتركك حتى تخرج إلي المكنون من علمك.
فلزمه حتى أخذ كل ما عنده، ثم خرج واستقر في منطقة (أدرار) فنشر العلم بها.
وكان من طلابه الفقيه الخطاط المشهور الذي أصبح مرجعاً لهذه البلاد لشرقها وغربها جميعاً، وقد بذل الفقيه الخطاط جهوداً مضنية في طلب العلم، فقد كان فقيراً لا يملك إلا ناقة جرباء، فركبها حتى بلغته حضرة الشيخ القاضي ابن اعلممو السباعي، فلما بلغ حضرة القاضي باع ناقته فأراد أن يشتري بها كتاباً، ثم احتاج إلى الملابس فاشترى ملابس يلبسها بثمن ناقته، وجلس زماناً طويلاً في طلب العلم، وكان بعد ذلك إذا رأى من يجد في طلب العلم من طلابه يتذكر هو الحالة التي وصل بها إلى القاضي ابن اعلممو السباعي.
وقد حدثني بعض الثقات بالإسناد المتصل إلى المختار بن عبد الله الحاج بن المبارك -وقد كان من طلاب الفقيه الخطاط والملازمين له- أنه كان في عام شديد الجدب ولم يكن لهم أي غذاء في المحضرة، فكان هو يخرج في الصباح الباكر بعد أن يدرس درسه لمراجعته وحفظه فيذهب إلى كهف في جبل يجلس فيه طيلة اليوم، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، فبينما هو على ذلك الحال يوماً من الأيام إذ رأى نبتة من نبات الأرض تعرف لدى أهل هذه البلاد بـ (أبيلة)، وهي نبات من الكمأة يشبه الموز النحيف الرقيق، فيقول: صنتها عن نفسي، فكنت آخذ منها كل يوم أصبعاً واحداً.
فكان بعد ذلك يصف حاله والدروس التي درسها وتغذيته بهذه النبتة.
وقد ذكر الفقيه الخطاط رحمه الله في معرض ثنائه على طلابه أن أولئك الذين كانوا معه في وقت الشدة يوزن أحدهم بمائة من الطلاب الآخرين، فكان يقدمهم عليهم في وقت التدريس، ومنهم حامد بن عمر الذي هو شيخ العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي، ومنهم كذلك أحمد محمود بن الفقيه الخطاط، وكان ابن والده في الجد والتشمير وحفظ المتون والعلم.