وهذه المراتب منها أولاً: مقام التوبة، وهو مقام رفيع، يكون الإنسان به مخلصاً في توبته، فتكون توبته توبة نصوحة: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم:8] {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة:112]، فالذي يتحلى بهذه التوبة يذوق حلاوة الانتقال من مرحلة التخلية إلى مرحلة التحلية.
والتوبة ثلاث مقامات: المقام الأول: توبة الله على العبد، بمعنى: إرشاده وتوجيهه لأن يتوب إلى الله، وهذا شرط لعمل العبد، لأن العبد مالم ينعم الله عليه بنور التوبة، فيستمر في معصيته، لكن إذا شاء الله له النور، سلط عليه النور المشع العظيم -نور التوبة- فيراه ويتبعه فيتوب.
المقام الثاني: إذا تاب العبد وخرج من سيئه وندم عليه لقبحه شرعاً، وعزم ألا يعود إليه.
المقام الثالث: توبة الله على العبد، أي: قبول توبته.
إن هذه المراحل اثنتان من عند الله وواحدة من عند المخلوق، التوبة الأولى من عند الله، وهي توجيه العبد إلى أن يتوب، والتوبة الثانية التي تليها هي توبة العبد نفسه، والتوبة الثالثة هي توبة الله على العبد بقبول توبته، ولذلك قال الله تعالى: {ولقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117] وهذا العطف بثم يقتضي المغايرة، فهي توبة جديدة: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118] والعطف كذلك بنية تكرير العامل والمعنى: وتاب على الثلاثة الذين خلفوا: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118] تاب عليهم ليتوبوا، معناه: سلط عليهم نور التوبة، وجههم إليه فاتبعوه ثم قبل منهم التوبة بعد ذلك، وهذه التوبة الأخيرة.