وعلى هذا فالأمراض القلبية مثل الأمراض البدنية، الأصل السلامة منها، ولكنها قد تعرض بعد الولاد، أو قد يولد الإنسان متصفاً ببعضها بلية وامتحاناً من الله سبحانه وتعالى كالأمراض البدنية، ومن هنا فمن ظن أو تحقق وجود مرض من هذه الأمراض وجب عليه عيناً أن يعالجه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم ينزل الله داءً من السماء إلا وأنزله له دواء، فتداووا عباد الله).
وقد حمل العلماء هذا الحديث على الوجوب في حق أمراض القلوب، وعلى الندب في حق أمراض البدن، وذلك في حق من يستطيع الصبر؛ لأن الصبر أولى، ولهذا فإن المرأة حين أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو الصرع، فقالت: (يا رسول الله! إني أصرع فادع الله لي، فقال: إن شئت دعوت لك وإن شئت فاصبري، قالت: إني أتكشف فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها وصبرت)، والضرير الذي أتاه فقال: (ادع الله أن يرد علي بصري، قال: أو تصبر؟ قال: ادع الله أن يرد علي بصري، فدعا الله فرد عليه بصره).
فالصبر مقدم في الأمراض البدنية، وهو أولى لمن يستطيعه، وذلك لأنه استسلام لقدر الله، ولأمره سبحانه وتعالى، ورضا بما صنع، أما العلاج فلا ينافي التوكل على الله والاستسلام لأمره، لكنه لا يغير شيئاً من القدر أيضاً، فإذا كتب الله البرء أو الشفاء من مرض من الأمراض أو سقم من الأسقام، فإنه قد يشفيه بالعلاج وقد يشفيه بالدعاء وقد يشفيه بالصدقة وقد يشفيه بغير ذلك، وإذا كتب عدم شفائه واستمراره، فسيستمر حتى لو بذل الإنسان كل جهده في العلاج، وأتى على سائر أنواعه، فإن للأمراض آجالاً مسماة محددة في علم الله تعالى لا بد أن تبلغها.