والعلماء قد اختلفوا في حكمه، فذهب الغزالي رحمه الله إلى أنه فرض عين على كل مؤمن، فكل مؤمن يلزمه أن يتعلم أمراض القلوب وطريقة علاجها.
وبنى الغزالي رحمه الله تعالى رأيه هذا على أن الإنسان لا يخلو من هذه الأمراض في الأصل، فهي أصلية فيه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأرضاهم وأطهرهم، قد شق الله صدره مرتين، وأخرج منه المضغة السوداء التي هي محل هذه الأمراض في الإنسان، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يشق صدره وأن تنزع عنه هذا المضغة، فمن سواه أولى بذلك وأحرى.
وذهب الجمهور إلى أن تعلم أمراض القلوب ليس فرض عين وإنما هو فرض كفاية، إلا في حق من تحقق أو ظن وجود مرض من الأمراض فيه، فيلزمه أن يعالج ذلك المرض وأن يعلم مظاهره وأسس علاجه.
واستدل الجمهور على هذا المذهب، بأن الأصل في الإنسان السلامة، وأن فطرته سليمة في الأصل، ولهذا قال الله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] وبما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مولود إلا ويولد كما تخدج البهيمة بهيمة عجماء، فهل ترى فيها من جدعاء؟).
أي: فهل ترى في البهائم من جدع وقت ميلادها؛ فأعضاؤها متكاملة غير مقطوعة ولا منقوصة.
وأدلة الجمهور لا شك أوجه وأقوى، ولكن يمكن الجمع بينها وبين ما استدل به الغزالي بأن الذي هو في عامة بني آدم هو القابلية لهذه الأمراض لا وجودها، وبالتالي فشق الصدر بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم ليس علاجاً لمرض موجود، وإنما هو منع للقابلية، فهو العصمة التي لا يمكن أن يحل بعدها شيء من هذه الأمراض.