إن تزكية النفس مهمة للإنسان جداً، وتأتي أهميتها من عدة أوجه: الوجه الأول، أن الله سبحانه وتعالى أقسم في كتابه أحد عشر قسماً على فلاح من زكى نفسه، وعلى خسران من أهمل ذلك، فقال: {وَالشَّمْسِ} [الشمس:1] هذا القسم الأول: {وَضُحَاهَا} [الشمس:1] هذا القسم الثاني: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:2] هذا القسم الثالث: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس:3] هذا القسم الرابع: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} [الشمس:4] القسم الخامس: {وَالسَّمَاءِ} [الشمس:5] القسم السادس: {وَمَا بَنَاهَا} [الشمس:5] القسم السابع: {وَالأَرْضِ} [الشمس:6] القسم الثامن: {وَمَا طَحَاهَا} [الشمس:6] القسم التاسع: {وَنَفْسٍ} [الشمس:7] هذا القسم العاشر: {وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:7] هذا القسم الحادي عشر، فهذه أحد عشر قسماً متوالية من ربنا سبحانه وتعالى الذي يصدقه عباده دون قسم، ولكنه أقسم للتأكيد أحد عشر قسماً على النتيجة وهي قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10].
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] الفلاح فلاح الحال في الدنيا والآخرة، (من زكاها) أي: من زكى نفسه، وهذا يدلنا على أهمية هذه التزكية.
الوجه الثاني من أوجه أهمية التزكية: أن الإنسان محب للكمال، وهو قد بدء بالضعف عند النشأة الأولى، ثم لا يزال يتدرج في الازدياد حتى يصير إلى حد الكمال فيبدأ حينئذ بالنقص والتراجع، وعلى هذا فحرص الإنسان على الكمال، مقتض منه للحرص على التربية، والتربية ثلاثة أقسام: الأول: التربية البدنية، وتشمل الوقاية من الأمراض والحرص على النظافة وتشمل العلاج من الأمراض بعد حصولها، والحرص على إكساب البدن ما يحتاج إليه من اللياقة، وإحسان التصرف في الأمور.
الثاني: التربية العقلية، وهي زيادة المعلومات، أن تزداد معلومات الإنسان في أمور دينه أو في أمور دنياه، وأن يزداد اطلاعاً بعقله على إنتاج البشرية، وما وصلت إليه تطوراتها وحضارتها، فازدياد العقل إنما يكون بزيادة العلم، وهذه تربيته، سواء كان ذلك في المجال النظري أو في المجال التطبيقي.
أما الثالث من أقسام التربية: فهو تربية النفوس، وهو صعب للغاية، لأن النفس خفية، يؤمن بها الإنسان ويعلم وجودها وقربها، لكنه لا يراها ولا يستطيع الوصول إليها بالمباشرة، فليست مثل البدن الذي إذا أصابه مرض، أو شاكته شوكه، أو لامسه برد أو حر تألم الإنسان لذلك، وليست مثل العقل الذي يشعر فيه الإنسان بالازدياد والنهم للزيادة من العلم والحرص عليه، بل هذه النفوس أخفاها الله سبحانه وتعالى وجعل ارتفاعها وخروجها ورجوعها خفي لا يطلع عليه الناس.
ولذلك فإن من أبلغ الأدلة على توحيد الله سبحانه وتعالى، أن تقول لمن ينكر وجود الله سبحانه وتعالى أو اتصافه بصفات الكمال لأنه لا يراه؛ أن تقول له: هل لك روح أم لا، فلا بد أن يستسلم وأن يقر بأن له روحاً، فاسأله: هل هي موجودة أو معدومة؟ فلا بد أن يقر بوجودها، فقل له: هل رأيتها؟ هل لامستها؟ هل رأيت لونها؟ هل شممت رائحتها؟ هل ذقت طعمها؟ فلا يستطيع أن يثبت شيئاً من ذلك؛ وإذا كانت روحه أقرب شيء إليه مجهولة بالنسبة إليه، فجهله بديان السماوات والأرض أعظم وأكبر، لكنه مضطر للاستسلام حينئذ، وهذه النفس تصاب بالأعراض التي تصاب به الأبدان، فهي محتاجة إلى تغذية دائمة، ومحتاجة إلى رعاية ومتابعة للازدياد من الخير، كما يزداد البدن من الطاقات والمعارف.
ومن هنا احتاج الإنسان إلى أن يراقب تطورات نفسه وأن يعلم أنها وعاء إيمانه، وأحب شيء إليه هذا الإيمان فإذا سلبه فلا فائدة في حياته كلها، من هنا فهو يحتاج إلى مراقبة هذا الإيمان لأنه يخلق ويجد، ويصدأ ويصقل في النفوس، ونظراً لخفاء ذلك وصعوبة تصوره كان أمراً مهما جداً، وكانت هذه المراقبة أمراً ضرورياً لا بد منه لتربية الإنسان.
وهذا الجانب من جوانب التربية وهو التربية الروحية، وحاجة الإنسان إليه كذلك من وجه آخر: هو أن التزكية هي طريق الجنة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] فهي شرط إذاً لدخول الجنة.