لهذا فإن من أسس بناء شخصية المؤمن أن يكون عابداً لله سبحانه وتعالى وأن يكون مسارعاً في ذلك، وأن يعلم أن قيمته هي هذه العبادة، فقيمة كل شيء ما ينفع فيه، فمثلاً: هذا الجهاز قيمته أنه وضع للتسجيل، فما دام يقوم بوظيفته فهو ذو سعر مرتفع، وإذا خرب ولم يؤد هذا الدور لم يبق له ثمن، والإنسان كذلك خلق من أجل العبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58]، فإذا فقد الإنسان هذه القيمة ولم يؤد هذه العبادة أو كان يؤديها بدور ناقص، مثل الجهاز إذا كان يسجل لكن بتشويش وأصوات مزعجة، فإنه تنحط قيمته ويقل سعره.
وبهذا فإن الفضل في البشرية إنما يكون بحسب التقوى والعبادة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، وهذه القيمة لا شك أنها متدرجة متفاوتة، فأعظم العبادات وأجلها ما افترضه الله على عباده، ودونها سياجها المكمل لها من السنن والمندوبات، فالواجبات مثل البيت والسنن والمندوبات مثل السور الذي يحيط بالبيت ويعصمه من السراق ومن اللصوص والسيارات والبهائم، والبيت محتاج إلى هذا السور الذي يحيط به، وكذلك العبادات في تكميلها وتتميمها بهذه السنن والمندوبات، ومن فرط في شيء منها فإن ذلك سيكون على حساب الأصل؛ لأن العبادة كل متكامل، فإذا فرط الإنسان في المندوبات ساقه ذلك إلى التفريط في السنن، وإذا فرط في السنن ساقه ذلك إلى التفريط في الفرائض التي هي رأس المال.